للذهن من الامتلاء عن أغذية الرطوبات اليبس يضر بالدهن لا من حيث النقصان ولكن من حيث الافراط في سرعة الحركة أو من حيث قلة الروح جدا وانحلاله مع أدنى حركة * (فصل في فساد الذكر) * هو نظير الرعونة الا انه في مؤخر الدماغ لأنه نقصان في فعل من أفاعيل مؤجر الدماغ أو بطلان في جميعه وسببه الأول عند جالينوس هو البرد اما ساذجا واما مع يبوسة فلا ينطبع فيه المثل واما مع رطوبة فلا يحفظ ما ينطبع فيه فان كان مع يبوسة دل عليه السهر وأنه يحفظ الأمور الماضية ولا يقدر على حفظ الأمور الحالية والوقتية وان كان مع رطوبة دل عليه السبات وانه لا يحفظ الماضية البتة ولعله يحفظ الوقتية الحالية مدة أكثر من الماضية فان كان هناك برد ساذج كان خدر وسدر وربما كان من يبس مع حر ويكون مع اختلاط الذهن وذلك اما في ذلك الجزء من الدماغ نفسه أو في بطن منه أو في وعائه يكون لاختلاط أو سوء مزاج في الصدغين يتأدى إلى الدماغ فقد ذكر هذا بعض المتقدمين وهو مما جرب وشوهد وأكثر ما يعرض النسيان وفساد الذكر انما يعرض عن برد ورطوبة وقد يكون عن أورام الدماغ وخصوصا الباردة * واعلم أن النسيان إذا عرض مع صحة انذر بأمراض الدماغ القوية مثل الصرع والسكتة وليثرغس (علامات أسبابه وأصنافه) ينبغي أن يتعرف ذلك من القوانين المذكورة ولا نكررها في كل علة (المعالجات) اما المقارن للحر واليبس فهو أسهل علاجا ومعالجته هو بما قيل مرارا واما المائن عن يبس مجرد فيجب فيه ان يغذي العليل بالأغذية المرطبة المعتدلة وان يستعمل رياضة ناحية الرأس بالدلك والغمز بالخرقة الخشنة وتحريك اليدين والرجلين وبالجملة الرياضة التي ليست بقوية بل بمقدار ما يجيع ويقتضي الزيادة في الغذاء والدعة والنوم والحمام ويسخن بالضمادات المسخنة المعروفة التي لا نكرر ذكرها وبالمحاجم على الرأس بلا شرط وبالأدوية المحمرة وربما احتيج أي ان يكوى كيتين خلف القفا ويستعمل مياها طبخ فيها بابونج وإكليل الملك وكرعان الماعز ومن الادهان دهن السوسن والنرجس والخيري وأما ما كان من مادة ذات برد ورطوبة فاستفرغه بعد الانضاج بما تدرى وليسكن بيتا كثير الضوء وليبتدئ أولا من الاستفراغات التي هي أخف مثل أيارج وشحم الحنظل وجندبيدستر ثم تدرج إلى الأيارجات الكبار ثم استعمل ان امنت سوء المزاج الحار معجون البلاذر فإنه أقوى شئ في تقوية الذهن وإفادة الحفظ واستعمل أيضا سائر المسخنات من المحمرات والغراغر والشمومات التي تدرى ولا تستعجل في تجفيفه بل تدرج واحذر ان يبلغ تجفيفك افناء الرطوبات الأصلية فيتبعها برد المزاج وذلك مما يزيد في النسيان ويجب ان يجتنبوا السكر ومهاب الرياح والامتلاء ويجتنبوا الاغتسال بالماء أصلا اما الحار فلما فيه من الارخاء وأما البارد فبما يخدر ويضر بالروح الحاس فان عرض لهم امتلاء لطفوا التدبير بعده ويجب ان يجتنبوا الأغذية المسكتة المثقلة والمخدرة والمبخرة وأما الشراب فان الامتلاء منه ضار جدا وأما القليل فإنه ينشط لنفس ويقوى الروح ويذكيها ويغنى عن الاستكثار من الماء والاستكثار منه أضر شئ لهم والقيلولة الكثيرة وبالجملة النوم الكثير ضار لهم وخصوصا على امتلاء كثير والافراط من السهر أيضا يضعف الروح ويحله ومع ذلك فيملأ الدماغ أبخرة وقد جرب لهم الوج المربى والدار فلفل المربى ووجدا يزيدان في الحفظ
(٦٢)