* (فصل في الرمد والتكدر) * الرمد منه شئ حقيقي ومنه شئ يشبهه ويسمى التكدر والتخثر والخثر وهو يسخن ويرطب يعرض من أسباب خارجة تثيرها وتحمرها مثل الشمس والصداع الاحتراقي وحمى يوم الاحتراقية والغبار والدخان والبرد في الأحيان لتقبيضه والضربة لتهييجها والريح العاصفة بصفقها وكل ذلك إثارة خفيفة تصحب السبب ولا تريث بعده ريثا يعتد به ولو أنه لم يعالج لزال مع زوال السبب في آخر الامر ويسمى باليونانية طارطسيس فان عاونه سبب بدني أو بادئ معاضد للبادئ الأول أمكن حينئذ أن يستفحل وينتقل ورما ظاهرا حقيقيا انتقال حميات الورم إلى حميات أخرى وإذا انتقل فهو في بدء ما ينتقل يسمى باليونانية لقويكما ومن أصناف الرمد ما يتبع الجرب في العين ويكون السبب في خدشة للعين وهو يجرى في أول الامر مجرى التكدر وانما يتأتى علاجه بعد حك الجرب وأما الرمد بالجملة فهو ورم في الملتحمة فمنه ما هو ورم بسيط غير مجاوز للحد في درور العروق والسيلان والوجع ومنه ما هو عظيم مجاوز للحد في العظم يربو فيه البياض على الحدقة فيغطيها ويمنع التغميض ويسمى كيموسيس ويعرف عندنا بالوردينج وكثيرا ما يعرض للصبيان بسبب كثرة موادهم وضعف أعينهم وليس يكون عن مادة حارة فقط بل وعن البلغمية والسوداوية ولما كان الرمد الحقيقي ورما في الحدقة بل الملتحمة وكل ورم اما أن يكون عن دم أو صفراء أو بلغم أو سوداء أو ريح فكذلك الرمد لا يخلو سببه عن أحد هذه الأسباب وربما كان الخلط المورم متولدا فيها وربما كان صائرا إليها من الدماغ على سبيل النزلة من طريق الحجاب الخارج المجلل للرأس أو من طريق الحجاب الداخل وبالجملة من الدماغ ونواحيه فإنه إذا اجتمع في الدماغ مواد كثيرة وامتلاء فاقمن بالعين ان ترمد الا أن تكون قوية جدا وربما كانت الشرايين هي التي تصب إليها فضولها إذا كانت الفضول تكثر فيها سواء كانت الشرايين من الداخلة أو الخارجة وربما لم تكن المادة صائرة إليها من ناحية الدماغ والرأس بل تكون صائرة إليها من الأعضاء الأخرى وخصوصا إذا كانت العين قد لحقها سوء مزاج أو ضعفها وجعلها قابلة للآفات وهي التي تصب إليها تلك الفضول ومن أصناف الرمد ماله دور ونوائب بحسب دور انصباب المادة وتولدها واشتداد الوجع في الرمد اما لخلط لذاع يأكل الطبقات واما لخلط كثير ممدد واما لبخار غليظ وبحسب التفاوت في ذلك يكون التفاوت في الألم ومواد ذلك كما علمت اما من التمدد واما من الرأس نفسه واما من العروق التي تؤدى إلى العين مادة رديئة حارة أو باردة وربما كان من العين نفسها وذلك أن يعرض لطبقات العين فساد مزاج لخلط محتبس فيها أو رمد طال عليها فتحيل جميع ما يأتيها من الغذاء إلى الفساد ومن كانت عينه جاحظة فهو أقبل لعظم الرمد ونتوئه لرطوبة عينه واتساع مسامها وقد تكثر الدموع الباردة في أصناف من الرمد لعدم الهضم وكثيرا ما ينحل الرمد بالاختلاف الطبيعي واعلم أن رداءة الرمد بحسب كيفية المادة وعظمه بحسب كمية المادة واعلم أن البلاد الجنوبية يكثر فيها الرمد ويزول بسرعة أما حدوثه فيهم كثيرا فلسيلان موادهم وكثرة بخاراتهم وأما برؤه فيهم سريعا فلتخلخل مسام أعضائهم وانطلاق طبائعهم فان فاجأهم برد صعب رمدهم لاتفاق طرو مانع قابض على حركة سيالة من خلط ثائر وأما البلاد الباردة فان الرمد يقل فيها ولكنه يصعب اما قلته فيها فلسكون الأخلاط فيها
(١١٣)