يصرف المعالج والمقتصر على علاج المساريقا دون الكبد والدليل على ذلك قوله لمن أقبل في هذه العلة على علاج المساريقا وترك أن يعالج الكبد انه كمن أقبل على تضميد الرجل المسترخية من آفة حادثة في النخاع الذي في الظهر وترك علاج المبدأ والأصل والنخاع فهذا قول جالينوس المتصل بذلك القول وأنت تعلم أن الرجل ليس تخلو عن القوى الطبيعية والمحركة والحساسة التي في النخاع والمجاري انما الفرق بين قوتها وقوة النخاع ان القوة الحساسة والمحركة لأحدهما أولا وللآخر ثانيا وكذلك حال المساريقا فإنها أيضا ليست تخلو عن قوة وان كان مبدؤها الكبد وكيف وهي آلة ماء والآلات الطبيعية التي تجذب بها من بعيد لا على سبيل حزركة مكانية وكما في العضل فإنها في الأكثر لا تخلو عن قوة ترى فيها وتلاقى المنفعل حتى أن الحديد ينفعل منه عن المغناطيس ما يجذب به حديدا آخر وكذلك الهواء بين الحديد والمغناطيس عند أكثر أهل التحقيق * (فصل في الوجوه التي منها يستدل على أحوال الكبد) * قد يستدل على أحوالها بلقاء المس كما يستدل على أورامها أحيانا ويستدل أيضا بالأوجاع التي تخصها ويستدل بالافعال الكائنة منها ويستدل بمشاركات الأعضاء القريبة منها مثل المعدة والحجاب والأمعاء والكلية والمرارة ويستدل بمشاركة الأعضاء التي هي أبعد منها مثل نواحي الرأس ومثل الطحال ويستدل بأحوال عامة لجميع البدن مثل اللون والسحنة واللمس وقد يستدل بما ينبت في نواحيها من الشعر وما ينبت منها من الأوردة ومن هيئة أعضاء أخرى وما يتولد منها وينبعث عنها وبالموافقات والمخالفات ومن الأسنان والعادات وما يتصل بها * (تفصيل هذه الدلائل) * أما المثال المأخوذ من اللمس فهو ان حرارة ملمس ناحيتها يدل على مزاج حار وبرودته على مزاج بارد وصلابته على جساء الكبد أو ورم صلب فيها وانتفاخه على ورم أو نفخة فيها وهلالية ما يحس من انتفاخه على أنه في نفس الكبد واستطالته وكونه على هيئة أخرى على أنه في غير الكبد وانه في عضل البطن وأما المثال المأخوذ من الأوجاع فمثل انه ان كان تمدد مع ثقل فهناك ريح سدة أو ورم أو كان بلا ثقل فهناك ريح وان كان ثقل بلا ولا نخس فالمادة في جرم الكبد كان ورما أو سدة أو كان مع نخس فهي عند الغشاء المغشي لها واما الاستدلال المأخوذ من الافعال الكائنة عنها فمثل الهضم والجذب والدفع للدم إلى البدن وللمائية إلى الكلية وللمرار إلى المرارة وللسوداء إلى الطحال ومثل حال العطش فإذا اختل شئ من هذه ولم يكن بسبب عضو مشارك للكبد فهو من الكبد وأما الاستدلالات المأخوذة من المشاركات فمثل العطش فإنه ان كان من المعدة فكثيرا ما يدل على أحوال الكبد ومثل الفواق أيضا ومثل الشهوة أيضا والهضم ومثل سواء التنفس فإنه وان كان لسبب الرئة والحجاب فقد يكون بسبب الكبد ومثل أصناف من البراز وأصناف من البول يدل على أحوال الكبد يستعملها ومثل أحوال من الصداع وأمراض الرأس وأحوال من أمراض الطحال يدل عليها ومثل أحوال اللسان في ملاسته وخشونته ولونه ولون الشفتين يستدل منه عليها وقد يجرى بين القلب والكبد مخالفة وموافقة ومقاهرة في كيفياتهما سنذكرها في باب أمزجة الكبد واما الاستدلال بسبب أحوال عامة فمثل دلالة اللون على الكبد بأن يكون أحمر وأبيض فيدل على صحتها أو يكون أصفر
(٣٥١)