فعلت فيه حرارة والتفه الغليظ البارد الملمس يدل على بلغم فج وهذه الاستدلالات من كيفية المنتفض في طعمه ولونه ولمسه وقوامه وأما من الرائحة فعفن الرائحة وحدتها يدل على الحر وعدم الرائحة ربما دل على البرد ليس بدلالة الأول على الحر وأما ما يتعلق بالأشياء التي تظهر على جلدة الرأس وما يليها من القروح والبثور والأورام فإنها تدل في الأكثر على مواد كانت فانتفضت ولا تدل على حال الدماغ في الوقت دلالة واضحة اللهم الا أن يكون في التزيد ولأنك عارف بأسباب الأورام الحارة والباردة والصلبة منها والسرطانية والقروح الساعية والساكنة وغير ذلك فليس يصعب عليك الاستدلال منها على حال الرأس والشعر أيضا فقد عرفت في الكتاب الأول أسباب حدوثه وعرفت السبب في جعودته وسبوطته ورقته وغلضه وكثرته وقلته وسرعة شيبه وبطئه وستعلم سبب تشققه وتمرطه وانتثاره في أبواب مخصوصة فيعرف منها كيفية الاستدلال من الشعر ونحن نحيل بذلك على ذلك الموضع هربا من التطويل والتكثير * (فصل في الدلائل المأخوذة من الموافقة والمخالفة وسرعة الانفعالات وبطئها) * أما العلامات المأخوذة من جنس الموافقة والمخالفة وسرعة الانفعال وبطئه فان الموافقات والمخالفات لا تخلو اما ان تعتبر في حال لا ينكر صاحبها من صحته التي يحسبه شيئا أو في حال خروجه عن الصحة وتغير مزاجه عن الطبيعة فموافقه في حال صحته التي بحسبه هو الشبيه لمزاجه فمزاجه يعرف من ذلك ومخالفه في تلك الحالة ضد مزاجه وأما في حال خروجه عن صحته وتغير مزاجه عنه فالحكم بالضد وقد قلنا فيما سلف من الأقاويل الكلية أن الصحة ليست في الأبدان كلها على مزاج واحد وانه يمكن أن تكون صحة بدن عن مزاج يكون مثله مما يجلب مرضا لبدن آخر لو كان له ذلك المزاج الا انه يجب أن يعتبر ما يخالفه في الطرف الآخر أيضا مقيسا بما يخالفه في هذا الطرف حتى يعلم بالحدس المقدار الذي له من المزاج فان الأفراطين معا مخالفان مؤذيان لا محل وانما يوافق صحة ما من الخارج عن الاعتدال ما لم يفرط جدا والدماغ الذي به سوء مزاج حار ينتفع بالنسيم البارد والأطلية الباردة والروائح الباردة طيبة كانت كالكافورية والصندلية والنيلوفرية ونحوها أو كالمنتنة كالحمئية والطحلبية وينتفع بالدعة والسكون والذي به سوء مزاج بارد ينتفع بما يضاد ذلك فينتفع بالهواء الحار والروائح الحارة الطيبة والمنتنة أيضا المحللة المسخنة وبالرياضات والحركات والذي به سوء مزاج يابس يتأذى بما يستفرغ منه وينتفض عنه والذي به سوء مزاج رطب ينتفع بما يستفرغ منه وينتفض عنه وأما الاستدلال من سرعة انفعالاته مثل أن يسخن سريعا أو يبرد سريعا فالذي يسخن سريعا يدل على حرارة مزاج على الشريطة المذكورة في الكتاب الكلى وكذلك الذي يبرد سريعا وكذلك الذي يجف سريعا فقد يكون ذلك لقلة رطوبته أو لحرارة مزاجه ولكن الفرقان بينهما أن الأول يوجد معه سائر علامات يبوسة الدماغ مثل السهر وغير ه مما نذكره في باب علامات مزاج الدماغ وهذا الثاني انما يعرض له اليبوسة في الأحايين عند حركة عنيفة أو حرارة شديدة أو ما يجرى مجراه من أسباب اليبوسة ثم لا يكون له في سائر الأوقات دليل اليبوسة والذي لحرارة مزاجه فيكون معه سائر علامات الحرارة في المزاج والذي يرطب
(١١)