الأجود والأحب والأبعد عن الشبهة، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإخراج غير الجيد سوء أدب بالنسبة إلى الله، إذ إمساك الجيد لنفسه وأهله، وإنفاق الردئ في سبيل الله، يوجب إيثار غير الله وترجيحه عليه، ولو فعل هذا لضيف وقدم إليه أردأ طعام في البيت لانكسر قلبه ووغر به صدره.
هذا إذا كان نظره إلى الله بأن يتصدق لوجه الله، من غير ملاحظة عوض لنفسه في دار الآخرة، وإن كان نظره إلى نفسه وثوابه في الآخرة، فلا ريب في أن العاقل لا يؤثر غيره على نفسه، وليس له من ماله إلا ما تصدق فأبقى، وأكل فأفنى. ولعظم فائدة إنفاق الأجود الأحب، وقبح إنفاق الردئ الأخس، قال الله تعالى:
" أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " (3):
أي لا تأخذونه إلا مع كراهية وحياء، وهو معنى الإغماض، وما هذا شأنه عندكم فلا تؤثروا به ربكم. وقال سبحانه:
" لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون! ". (4) وقال: " ويجعلون لله ما يكرهون " (5).
وفي الخبر: " سبق درهم مائة ألف درهم ". وذلك بأن يخرجه الإنسان وهو من أحل ماله وأجوده، فيصدر ذلك عن الرضا والفرح بالبذل وقد يخرج مائة ألف درهم مما يكره من ماله، فيدل على أنه ليس يؤثر الله بشئ مما يحبه.
ومما ينبغي له أن يغني الفقير إذا قدر، ففي الخبر إذا أعطيته فأغنه، وأن يقبل يده بعد الاعطاء، لأنه يقع في يد الله تعالى أولا. قال أمير المؤمنين (ع): " إذا ناولتم السائل فليرد الذي ناوله يده إلى فيه فيقبلها، فإن الله عز وجل يأخذ الصدقات ". وقال النبي (ص): " ما تقع صدقة المؤمن في يد السائل حتى تقع في يد الله "، ثم تلا هذه الآية: