مورد الشبهة من عمومات الأدلة وهذا لا يكون الا إذا كانت الأطراف بأسرها موردا للابتلاء الا ترى أنه لو كان أوان متعددة في مورد الابتلاء المكلف فاشتبه طاهرها بنجسها لظلمة ونحوها لا يلتفت ذهنه إلى ملاحظة كل واحد واحد منها على سبيل الاستقلال حتى يحمل عليه حكم الشبهة بل يرى نفسه عالما بنجاسة مرددة بين الأواني واما إذا لم يكن بعض الأطراف موردا لابتلائه فلا يعتنى بعلمه أصلا بل ربما لا يلتفت إليه وانما يلاحظ ما هو محل حاجته فيريه شبهة ويتمسك في تشخيص حكمه بعموم قوله (ع) كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر فما ادعيناه من سلامة الأصل في هذه الموارد عن المعارض هو التحقيق الذي لا محيص عنه كما يشهد به ما استقر عليه سيرة المتشرعة على ما هو المغروس في أذهانهم المجبول عليه طباعهم هذا كله فيما إذا كان خروج بعض الأطراف عن مورد التكليف المنجز قبل حصول العلم الاجمالي واما لو خرج بعد العلم كان أريق أحد الإنائين في موضع نجس أو اضطر إلى ارتكابه بعد العلم فلا لتنجز الخطاب بالاجتناب بمجرد حصول العلم فلا بد من ترك جميع المحتملات تحصيلا للقطع بالفراغ عن عهدة التكليف ومجرد إراقة بعض الأطراف وخروجه عن مورد الابتلاء لا يوجب رفع اليد عن التكليف المنجز لا لاستصحاب وجوب الاجتناب كما توهم بل لحكومة العقل بوجوب الاجتناب بعد الإراقة كحكمه به قبلها ضرورة ان المناط في حكم العقل بوجوب الاجتناب عن كل من الأطراف بعد العلم بأصل الخطاب انما هو احتمال كون كل طرف هو النجس المعلوم وهذا المناط موجود بعد الإراقة أيضا بالنسبة إلى الطرف الباقي وانما المرتفع هو نفس العلم لا اثره وكيف لا والا لجاز ارتكاب أطراف الشبهة بإراقة مقدار الحرام اختيارا مع أن من المعلوم بديهة عدم مدخلية إراقة البعض في جواز ارتكاب الباقي وعدم الفرق بين الإراقة أو العزم على ترك الارتكاب وقد بينا عدم جواز الارتكاب في الصورة الثانية فكذا الأولى نعم لو حصل له العلم التفصيلي أو دل دليل معتبر بعد أن علم اجمالا بطرو نجاسة في أحد الأواني بكون بعض الأطراف حين حصول العلم خارجا عن مورد التكليف المنجز كما لو علم تفصيلا أو شهدت البينة على أن هذا الاناء الذي علم اجمالا بوقوع قطرة بول فيه أو في غيره خمر يلغو اثر العلم الاجمالي وان اعتقد حال حصوله تنجز التكليف لان العلم اللاحق كاشف عن خطائه في اعتقاد التنجز وبما أشرنا إليه ظهر لك ان المناط في ارتفاع اثر العلم الاجمالي انما هو قيام الطريق على كون بعض الأطراف خراجا عن مورد التكليف المنجز سواء ارتفع بذلك العلم الاجمالي أم بقي على اجماله كما في المثال لا على ارتفاع نفس العلم الاجمالي كما قد يتوهم والا لاشكل الامر في كثير من الموارد التي ليس التعرض لها مناسبا للمقام فليكن على ذكرك كي ينفعك في تلك الموارد * (وقد) * ظهر بما ذكرنا ما في كلام السيد في المدارك بعد قول المصنف [ره] ولو اشتبه الاناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما قال هذا مذهب الأصحاب والمستند فيه ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدرى أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال (ع) يهريقهما ويتيمم وهي ضعيفة السند بجماعة من الفطحية واحتج عليه في المختلف أيضا فان اجتناب النجس واجب قطعا وهو لا يتم الا باجتنابهما معا ومالا يتم الواجب الا فهو واجب وفيه نظر فان اجتناب النجس لا يقطع بوجوبه الا مع تحققه بعينه لامع الشك فيه واستبعاد سقوط حكم هذه النجاسة شرعا إذا لم تحصل المباشرة بجميع ما وقع فيه الاشتباه غير ملتفت إليه وقد ثبت نظيره في حكم واجدي المنى في الثوب المشترك واعترف به الأصحاب في غير المحصور أيضا * (والفرق) * بينه وبين المحصور غير واضح عند التأمل ويستفاد من قواعد الأصحاب انه لو تعلق الشك بوقوع النجاسة في الماء وخارجه لم ينجس بذلك الماء ولم يمنع من استعماله وهو مؤيد لما ذكرناه فتأمل انتهى * (توضيح) * ما فيه اما أولا فما ذكره من أن الرواية ضعيفة السند ففيه انه أو بنى على طرح مثل هذه الرواية التي هي من الموثقات المعمول بها عند الأصحاب من غير استثناء كما اعترف به في صدر كلامه وصرح به المحقق والعلامة في محكى المعتبر والمنتهى فقلما يبقى لنا في الفقه مدرك سليم كمالا يخفى * (و) * ثانيا فما أورده على العلامة من عدم القطع بوجوب الاجتناب عن النجس ما لم يكن معلوما بعينه * (ففيه) * ما عرفت من استقلال العقل بوجوب الاجتناب بعد تسليم كون الحكم مطلقا على النجس الواقعي كما هو مقتضى ظواهر الأدلة بل قد عرفت عدم امكان ترخيص الشارع بالارتكاب الا بعد التصرف في موضوع حكمه الشرعي نعم له الترخيص في ارتكاب بعض المحتملات والاقتصار على الموافقة الاحتمالية في مقام الامتثال ولكنه لابد في الاقتصار عليه في مقام الامتثال من ثبوت الرخصة من الشارع وهي ممنوعة في الشبهات المحصورة وقد بين ذلك مستقضى لا الأصول واما ثالثا فما ذكره من النقض بواجدي المنى ففيه ما عرفت من عدم تنجز التكليف بالنسبة إلى كل منهما في مثل هذا الفرض الخروج الطرف الآخر في حق كل منهما عن مورد ابتلائه فالأصل في حق كل منهما سليم عن المعارض واما تشبيهه بالشبهة الغير المحصورة مع عدم ظهور الفرق بينهما * (ففيه) * ان الفرق بينهما في غاية الوضوح من وجوه * (منها) * ان كثرة المحتملات تورث الوهن في احتمال مصادفة كل فرد من افرادها للحرام الواقعي المانع من استقلال العقل بوجوب الترك مراعاة لهذا الاحتمال ما نشاهد بالوجدان من عدم استقلال العقل بلزوم التحرز عن أطعمة بلد يعلم بإصابة سم قاتل لفرد من افرادها بخلاف ما لو تردد السم بين إنائين أو ثلاثة أو أربعة فكثرة المحتملات توجب خروج العلم الاجمالي عن صلاحية كونه بيانا للحرام المحتمل الا ترى أنه لو نهى المولى عبده عن شرب مايع معين واشتبه في الف اناء من الماء فشرب العبد أحدها وصادف الحرام لو عاتبه المولى
(٤٩)