ووجه ما ذكرناه من الاحتياط قوة الأدلة المانعة من الأصول المؤيدة بالاعتبار، والعمومات المعتضدة بخصوص ما مر من الأخبار، وعدم الاطمئنان التام بتخصيصها بمثل الروايتين المتقدمتين، لضعف الثانية، وقصور الأولى عن الصحة، على الأشهر بين الطائفة، مع عدم وضوح جابر لهما، لعدم وقوف القائلين بهما على موردهما، لكونه القبول في القتل مطلقا غير مقيد بشئ، من القيود المتقدمة جدا.
مع أنهم أطبقوا على اعتبارها كلا أو بعضا، واختلفوا في القبول في القتل الذي هو مورده، كما هو ظاهر الشيخين والحلي، وعدمه كما هو ظاهر كل من اقتصر على ذكر الجراح خاصة كالتقي (1) والمرتضى وابن زهرة والفاضلين في كتبهم المتقدمة وصريح الشهيدين في الدروس والروضة، وظاهر الانتصار والغنية دعوى الإجماع على عدم القبول في غيرها.
ولا ريب أن المتبادر منها الجراح التي لا تؤدي إلى النفس، ولذا فهم الفرق بينهما وبين القصاص جماعة من أصحابنا، فجعلوا القول بكل منهما مقابلا للآخر، والقائلون باختصاص القبول بها على هذا هم الأكثر. ولازم ذلك طرحهم الروايتين، فينعكس الجابر، سيما مع دعوى الإجماع عليه في الانتصار والغنية.
وحينئذ فلعله يتعين الاحتياط المتقدم، كما اختاره الفاضلان والشهيدان، اقتصارا فيما خالف الأصول القطعية على المجمع عليه المتيقن.
لكن يستفاد من سياق كلمات السيدين أنهما أرادا بالجراح ما يعم القتل، حيث ذكرا على وجه الاستناد ما يدل عليه، فقالا: وقد اشتهر عند الناس أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في ستة غلمان دخلوا الماء فغرق أحدهم