منهما بالواسطة إلا أنها خاطئة من جهة أخرى، وهي أنه فرق في الواسطة التي تكون بين المبادي ومشيئة الله تعالى والواسطة التي تكون بين فعل العبد ومشيئته، فإن الأولى علة طبيعية والثانية علة فاعلية، فإن كانت الواسطة من قبيل الأولى فهي كالمعنى الحرفي، فإن الأثر في نهاية المطاف تماما مستند إلى العلة الأولى وهي الذات الواجبة، وكل الوسائط الطبيعية بمثابة الآلة بدون حول ولا قوة لها أصلا، فالحول والقوة تماما للمبدء الأول على أساس أن جميع السلسلة متعلقة ومرتبطة به ذاتا، وإن كانت من قبيل الثانية فليست كالمعنى الحرفي بل هي فاعلة للفعل بقدرته وسلطنته بالاختيار طالما تتوفر فيها المبادئ، فالمبدأ الأول هو يمد المبادئ ويفيض عليها، فما دام يفيض عليها فالعبد مستقل في إيجاد الفعل في الخارج وإصداره باختياره وسلطنته، وهذا هو الفرق بين الواسطة في الموردين.
فالنتيجة، أن معنى الآية الشريفة هو أن العبد يملك الفعل كالضر أو النفع إذا شاء الله تعالى حياته وقدرته وعلمه وغيرها، وليس معناها أنه تعالى إذا شاء الضر أو النفع فالعبد يملكه، لأنه تعالى إذا شاءه تحقق فلا يكون العبد حينئذ مالكا له، ولا معنى للتعليق عندئذ، ومنها قوله تعالى: (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله) (1).
والجواب عن هذه الآية الشريفة هو الجواب عن الآية السابقة، فإن مفادها هو أن فاعلية العبد منوطة بما إذا شاء الله تعالى حياته وقدرته وعلمه وما شاكلها، وهذا هو مذهب الأمر بين الأمرين، ومن هذا القبيل قوله تعالى: (وما