ومن هنا تختلف الأدلة العامة للتقية عن الأدلة الخاصة لها، فإن الأولى ظاهرة في أن الأمر بالتقية بعنوانها إنما هو من أجل ما يترتب عليها من المصلحة العامة وهي حقن الدماء وحفظ الأموال والأعراض، لا من أجل ما يترتب على الفعل المتقى به بعنوانه الأولي من المصلحة، فلهذا يكون الظاهر منها أن التقية جهة تقييدية لا تعليلية، وهذا بخلاف الأدلة الخاصة فإنها حيث كانت ظاهرة في أن الأمر متعلق بالفعل بعنوانه الأولي لا بالتقية، ولكن من أجل التقية فيكون الظاهر منها أنها جهة تعليلية لا تقييدية.
هذا كله في الاضطرار الطارئ على الانسان بغير اختياره، وأما إذا كان بسوء الاختيار، فهل هو مشمول لاطلاق أدلة الأوامر الاضطرارية من الآية الشريفة والروايات أو لا؟ فقد ذكر السيد الأستاذ (قدس سره) أن الاضطرار العارض على المكلف بغير اختباره هو القدر المتيقن من اطلاقها، وأما إذا كان بسوء اختياره كما إذا كان معجزا نفسه عن الوضوء أو الغسل بإهراق الماء عنده، أو معجزا كذلك عن الصلاة قائما أو الصلاة في ثوب طاهر بإرادته، فقد ذكر (قدس سره) أنه غير مشمول لاطلاق أدلة الأوامر الاضطرارية، بدعوى أن هذه الاطلاقات منصرفه عنه ومختصة بالاضطرار الطبيعي وغير الاختياري، فإن قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) (1)، ظاهر عرفا فيما إذا كان عدم وجدان الماء بطبعه لا بسوء اختياره، ولا يشمل ما إذا كان عدم وجدانه الماء مستندا إلى سوء اختياره كما إذا كان عنده ماء أهرقه باختياره، وكذلك قوله (عليه السلام): " إذا قوى فليقم " (2)، فإنه لا يشمل ما إذا كان عجزه عن القيام مستندا إلى سوء اختياره، وعلى هذا فلا