أن الشئ ما لم يجب لم يوجد (1).
وغير خفي، أن ما أفاده المدرسة من أن الأفعال الاختيارية خارجة عن قاعدة أن الشئ ما لم يجب وجوده لم يوجد وإن كان صحيحا ولا مناص عنه، إلا أن في تبرير ذلك بالالتزام بالفعل النفساني المسمى بالاختيار واعمال القدرة وراء الفعل الخارجي نظر، وتحقيق ذلك يتطلب الكلام في مقامين:
المقام الأول: هل يوجد في النفس فعل يصدر منها مباشرة في وعائها وراء وعاء الخارج فيه قولان، فذهب جماعة منهم السيد الأستاذ (قدس سره) أن للنفس أفعالا في أفقها وعالمها وراء الأفعال الخارجية منها البناء القلبي، فان لها أن تبني على شيء ولها أن لا تبني عليه، فإنه فعل النفس مباشرة لا انه صادر منها بواسطة إحدى قواها، ومنها قصد إقامة عشرة أيام في بلد فان لها أن تقصد الإقامة فيه عشرة أيام ولها أن لا تقصدها فهو تحت يدها وسلطنتها مباشرة.
ومنها، عقد القلب وقد دل عليه قوله تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) (2). فأثبت سبحانه أن عقد القلب على شيء غير اليقين به، فان الكفار كانوا متيقنين بالرسالة والنبوة بمقتضى الآية الكريمة ولكنهم لم يكونوا عاقدين بها، وكيف كان فلا شبهة في أن للنفس أفعالا في أفقها تصدر منها باختيارها واعمال سلطنتها وقدرتها (3)، وعلى هذا فلا مانع من الالتزام بأن الاختيار فعل نفساني في وعاء النفس وقائم بها فيه قيام الفعل بالفاعل لا الصفة بالموصوف والعرض بالمعروض، وموجود فيه وراء وجود الفعل في الخارج، وهذا الفعل