إلى هنا قد تبين أن صيغة الأمر تدل على الطلب المولوي بالمعنى الحرفي المساوق للوجوب، ومادة الأمر تدل عليه بالمعنى الاسمي ولا تدل على أكثر من ذلك حتى على أنه متعلق بصرف وجود الطبيعة دون مطلق وجودها، فإن ذلك مستفاد من اطلاق الطبيعة من ناحية، وبقرينة أنه لا يمكن أن يكون متعلقه مطلق وجودها في الخارج من الوجودات العرضية والطولية من ناحية أخرى، وعدم تقييدها بحصة خاصة من ناحية ثالثة، فالنتيجة على ضوء ذلك أن متعلق الطلب صرف وجود الطبيعة الصادق على أول وجودها، وعليه فالاكتفاء في مقام الامتثال بالمرة في الأفراد الطولية وبالدفعة في الأفراد العرضية إنما هو من جهة أنه لازم كون المطلوب صرف وجود الطبيعة لا أن الصيغة تدل على ذلك، لما عرفت من أنها لا تدل إلا على النسبة الطلبية المولوية وهي النسبة بين المادة والمخاطب، ولا تدل على أكثر من ذلك حتى على كون هذه النسبة متعلقة بصرف وجود المادة، فإنه مستفاد من اطلاقها بمقدمات الحكمة بضميمة ما مر من الخصوصيات.
ومن هنا تختلف صيغة الأمر عن صيغة النهي في نقطة وتشترك معها في نقطة أخرى، أما نقطة الاشتراك فلأن صيغة النهي موضوعة للنسبة الزجرية المولوية المساوقة للحرمة وتدل عليها، ولا تدل على خصوصية أخرى وضعا، ولهذا لا فرق بين صيغة الأمر وصيغة النهي في الدلالة الوضعية، فإن كلتيهما تدلان على النسبة المولوية، غاية الأمر أنها طلبية في صيغة الأمر وزجرية في صيغة النهي، ولا تدلان على خصوصية زائدة، وأما نقطة الافتراق فلأن مقتضى إطلاق متعلق النهي من جهة وخصوصية النسبة الزجرية المتعلقة به من جهة أخرى انحلال النهي بانحلال متعلقه، فإذا نهى المولى عن شرب الخمر مثلا، كان مقتضى اطلاق متعلقه وهو الشرب، وعدم تقييده بحصة خاصة من جهة، وخصوصية