تعالى وضرورة صدور الفعل منه واضطراره إليه واقعا، وحينئذ فالتعبير عن أنه تعالى مختار في أفعاله لا مضطر وانه فاعل بالإرادة لا بالايجاب والضرورة مجرد اصطلاحات متداولة بينهم وتعبيرات فارغة بدون المحتوى هذا، فالصحيح هو القول الأول وأن المراد من المشيئية المخلوقة بنفسها هو السلطنة المطلقة للذات الواجبة، والمراد من خلقها بنفسها أنها ثابتة كذلك باعتبار أنها من آثار قدرته تعالى الذاتية، فاذن يكون معنى الحديث الشريف خلق الله المشيئة بنفسها أي أثبت سلطنته المطلقة وأحكمها بنفسها لا بسلطنة أخرى، والمراد من الاثبات، الاثبات الأزلي، ثم أثبت سائر الأشياء بها يعني أظهرها وأوجدها، وسيأتي مزيد من البحث عنها في ضمن البحوث الآتية.
نتيجة هذا البحث أمور:
الأول: أن الفلاسفة وجماعة من الأصوليين منهم صاحب الكفاية والمحقق الأصبهاني (قدس سرهما) ذهبوا إلى أن ارادته تعالى من الصفات الذاتية كالعلم والقدرة، أما صاحب الكفاية (قدس سره) فقد فسر الإرادة بالعلم بالنظام الأكمل والأتم، ولكن تقدم أن هذا التفسير خاطئ جدا لأن مفهوم الإرادة غير مفهوم العلم، وإلا فلازم ذلك أن تكون الإرادة والعلم صفة واحدة لا صفتين، لأن تعدد الصفات الذاتية إنما هو بتعدد مفاهيمها وإلا فهي في الواقع الخارجي شيء واحد ولا تعدد فيه.
وأما المحقق الأصبهاني (قدس سره) فقد فسرها بالابتهاج والرضا، ولكن قد مر عدم صحة هذا التفسير أيضا.
الثاني: أن منشأ التزام هؤلاء بأن ارادته تعالى من الصفات الذاتية هو أن فعله ممكن والممكن ما لم يجب وجوده بالغير لم يوجد، وحينئذ فلابد له من علة، وذاته المقدسة في نفسه لا تصلح أن تكون علة وكذلك علمه وقدرته، وما يصلح