العبد مختارا في فعله.
ولكن قد تقدم نقد كلا الأمرين:
أما الأول فلأن حقيقة العلم هي انكشاف الأشياء على ما هي عليه في الواقع ولا يعقل أن يكون مؤثرا فيها وإلا لزم تخلف العلم عن معلومه وهو مستحيل.
وأما الثاني فلما عرفت من أن معنى العلم هو انكشاف الواقع على ما هو عليه لا أنه علة لايجاد معلومه فيه، إلا أن يكون المراد من ذلك إضافة الذات العليمة إلى الأشياء المعلومة وإضافة الذات إليها عند الفلاسفة إضافة اشراقية، ولكن قد مر أنه لا يمكن أن تكون ذاته تعالى علة تامة للأشياء، وإلا لزم الجبر والقهر في أفعاله سبحانه وهو كما ترى.
الوجه الرابع: أن الذات الواجبة والحقيقة الإلهية بوحدتها وأحديتها علة تامة للأشياء بسلسلتها الوجودية الطولية وحلقاتها التصاعدية التي ينبثق بعضها من بعض، فإنها برمتها تتولد من الذات الواجبة كتولد الشعاع من الشمس والضوء من النور على أساس مبدأ التناسب، وحيث أن أفعال العباد جزء من تلك السلسلة والحلقات فلا محالة توجد بوجودها على ضوء أن كل حلقة متأخرة من تلك الحلقات معلولة لحلقة سابقة مباشرة إلى أن تنتهي إلى حلقة مستقلة في وجودها وهي الواجبة بالذات، ونتيجة ذلك أن الحلقات المتصاعدة جميعا متعلقات ومربوطات بالذات الواجبة التي هي الحلقة الأولى والسبب الأعلى للعالم منها أفعال العباد، فلذلك لا حول ولا قدرة لهم عليها.
والجواب: أولا: أن الذات الواجبة لا يمكن أن تكون علة تامة للأشياء بالتفسير الفلسفي وإلا لكانت الأشياء واجبة بوجود ذاته المقدسة، ومن الواضح أن الوجوب ينافي الاختيار بل أن لازم ذلك نفي القدرة والسلطنة عن الباري