ضمن البحوث السالفة موسعا أن الإرادة مهما بلغت ذروتها من القوة والشدة في نفس الانسان لا توجب صدور الفعل منه قهرا ولا تجعله مسلوب الاختيار والسلطنة كالعلة الطبيعية، بداهة أن فطرة الانسان الوجدانية تحكم بأنه مختار رغم أن إرادته في نفسه بلغت ذروته من القوة وأنه مسيطر على نفسه وعضلاته ولا تتحرك نحو المراد قهرا وبدون اختياره وسلطنته، وهذا أمر وجداني غير قابل للانكار والنقاش.
هذا إضافة إلى أن الفعل الاختياري لو كان معلولا للإرادة وخاضعا لها فمعناه أنه يدور مدارها وجودا وعدما لاستحالة انفكاك المعلول عن العلة من جهة واستحالة وجوده بدونها من جهة أخرى، مع أن ضرورة الوجدان عدم توقف صدور الفعل من الانسان على وجود الإرادة في النفس، لوضوح أنه يصدر منه فعل كانت هناك إرادة أم لا، بل بامكانه إيجاد الفعل في الخارج مع وجود الكراهة في نفسه كل ذلك أمر وجداني فطري هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، أن الإرادة لو كانت علة تامة للفعل بالمفهوم الفلسفي لكان لازم ذلك لغوية التكليف نهائيا وبالتالي هدم كافة الشرايع، لأن الفعل إذا كان صدوره من الانسان ضروريا بضرورة علته كان التكليف به لغوا، وتفصيل هذه المسائل جميعا قد تقدم في ضمن البحوث السالفة، كما تقدم الإشارة إلى سبب التزام الفلاسفة بهذه النظرية المخالفة للوجدان والفطرة وما فيها من المحذور.
ويؤكد هذه الفطرة والوجدان بشكل قاطع تشريع الشرائع وتكليف الناس بها والحساب والعقاب عليها الهيا وقضية حسن العدل وقبح الظلم عقلائيا، فلو كان صدور الفعل من الانسان بالضرورة والوجوب بقاعدة أن الشئ ما لم يجب لم يوجد، فحينئذ حاله حال الفاعل المضطر، فإذا كان حاله حال الفاعل