الأشاعرة، منها قوله تعالى: (يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) (1)، فإن الآية الشريفة قد أسندت الضلالة والهداية إلى الله تعالى مع أنهما من أفعال العباد وتصدران منهم مباشرة، وهذا ليس إلا من جهة أن العباد مجرد وسيلة وآلة لإيجادها بدون أن يكون لهم حول ولا قوة.
والجواب: أن اسناد الضلالة والهداية إليه تعالى يكون على القاعدة باعتبار المقدمة الأولى كما عرفت، وهذا ليس معناه انه لا يصح اسنادهما إلى العبد، فإنه كما يصح اسنادهما إليه تعالى كذلك يصح إلى العبد، لما مر من أنه ليس مجرد آلة لإصدارها بدون حول ولا قوة له، بل له سلطنة على الفعل مباشرة طالما تتوفر فيه المقدمة الأولى، وتقدم أن اسناد الفعل إلى كل منهما على نحو الحقيقة.
ومنها قوله تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) (2) بتقريب أنه يدل بوضوح على أن الانسان لا يملك شيئا من النفع أو الضر لنفسه إلا ما شاء الله تعالى، فإذا شاءه تعالى تحقق سواء شاء العبد أم لم يشأه، وهذا معنى أنه لا حول له ولا قوة.
والجواب أن الآية لا تدل على أنه لا حول للعبد ولا قوة له، بل تدل على أن حوله وقوته على الفعل معلق على مشيئة الله تعالى وجود مبادئه فيه، لما تقدم من أن مشيئة الله تعالى لا تتعلق بفعل العبد مباشرة وانما تتعلق بالإفاضة على مبادئه من حياته وقدرته وعلمه وما شاكل ذلك، ودعوى أن مشيئته تعالى كما لا تتعلق بفعل العبد مباشرة كذلك لا تتعلق بمبادئه أيضا بل تعلقها بكل منهما بالواسطة، مدفوعة بأن هذه الدعوى وإن كانت صحيحة من جهة أن تعلق المشيئة بكل