بالعلة ذاتا، فكما أن هذا الارتباط ينعدم ويرتفع بارتفاع العلة الطبيعية، ولا يعقل بقاؤه بعد زوالها، فكذلك يرتفع وينعدم بارتفاع السلطنة والاختيار عنه، ولا يعقل بقاؤه بعد زوالها، مثلا حركات أيدي العامل معلولة لسلطنته واختياره وتنقطع هذه الحركات حتما بصرف كف العامل عن العمل ورفع يده عنه، وهذا معنى ارتباط المعلول بالعلة ذاتا بلا فرق بين العلة الطبيعية وسلطنة الفاعل واختياره، ونتيجة ذلك حتما أن مبادئ الفعل الأولية مرتبطة ذاتا في نهاية المطاف بالذات الواجبة وهي تمدها وتفيض عليها.
وأما المقدمة الثانية فقد تقدم أن الفطرة السليمة الوجدانية تحكم بثبوت السلطنة والاختيار للانسان على حركات عضلاته بشتى أشكالها وأنواعها وأنها جميعا تحت سلطنته ولا يفلت شيء منها من يده كانت هناك إرادة أم لا، ومن هنا لا يشك أحد وجدانا وفطرة أنه فرق بين حركة الأصابع وحركة يد المرتعش وحركة الانسان يمينا ويسارا وحركة الدم في العروق أو حركة الأمعاء عند الخوف، فلو كانت حركة الأصابع معلولة بالضرورة للإرادة والإرادة معلولة بالضرورة لمبادئها وهي معلولة بالضرورة لعللها إلى أن ينتهي الأمر إلى الواجب بالذات، كان حالها حال حركة يد المرتعش ولا فرق بينهما، فإن حركة يد المرتعش ناشئة بالضرورة من المرض وهو ناشئ بالضرورة من علله إلى أن ينتهي الأمر إلى الواجب بالذات، فلذلك لا يمكن أن يكون الفعل معلولا للإرادة بالمفهوم الفلسفي وقد تقدم تفصيل كل ذلك.
وعلى هذا فنظرية الأمر بين الأمرين نتيجة حتمية لهاتين المقدمتين الضروريتين. ومن هنا يظهر أن ما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) من أن نظرية الأمر بين الأمرين في غاية العمق والدقة وليس بوسع كل أحد الوصول إليها لولا الروايات