المحاولة الخامسة: من الأشاعرة بعد انكار التحسين والتقبيح العقليين قالوا أن القبيح ما قبحه الشارع والحسن ما حسنه الشارع، ومع قطع النظر عن ذلك لا يحكم العقل بحسن الأشياء ولا قبحها، وقد أقاموا على ذلك دليلين:
الأول: أن فعله تعالى لا يتصف بالظلم، والسبب في ذلك أن الظلم عبارة عن التصرف في ملك الغير بدون اذنه، وحيث أن العالم بعرضه العريض ملك لله تعالى وتحت تصرفه وسلطانه ولا شريك له فيه، فبطبيعة الحال أي تصرف يصدر منه تعالى فهو في ملكه فلا يكون مصداقا للظلم، وعلى هذا فلا يكون عقاب العبيد على الأفعال غير الاختيارية ظلما حتى يكون قبيحا، بل له تعالى أن يدخل عبدا من عباده الصالحين في النار وشقيا من الأشقياء في الجنة، فإن ذلك لا يكون قبيحا منه لأنه تصرف في ملكه، وكيف كان فإنه تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون عما يفعلون.
والخلاصة: أن انتفاء الظلم في أفعاله تعالى بانتفاء موضوعه، وعلى هذا المعنى يحمل الآيات النافية للظلم عن ساحته تعالى وتقدس كقوله سبحانه:
(وما ربك بظلام للعبيد) (1).
الثاني: أن الله سبحانه وتعالى هو الحاكم على الاطلاق فلا يتصور حاكم فوقه، وعليه فليس بامكان العبد أن يحكم على الله تعالى وكونه محكوما بحكم عبده، ولا معنى لأن يقال أنه لا يجوز لله تعالى الظلم بحكم العقل، لأن مرد ذلك إلى تعيين الوظيفة له تعالى من قبل العبد وهو غير معقول.
وللمناقشة في كلا الدليلين مجال واسع.