ومجرد الاصطلاحات والتعبيرات الفارغة بأن الله تعالى فاعل بالإرادة والاختيار والمادة فاعلة بالايجاب والقسر، لا قيمة لها ولا تغير الواقع عما هو عليه، فمن أجل هذه النقطة وحكم الفطرة السليمة بأن فعله تعالى صادر من ذاته المقدسة باختياره وسلطنته المطلقة التامة لا بإرادته وإن قلنا فرضا أنها ذاتية، وقد مر أن ارتباط الفعل الاختياري بالسلطنة غير ارتباط المعلول الطبيعي لعلته التامة، فان الأول لا يجب وجوده بوجود السلطنة بل يبقى على حد امكانه، وأما الثاني فهو يجب وجوده بوجود علته.
ومن هنا قلنا أن ارتباط الأول بها لا يكون من صغريات قاعدة أن الممكن ما لم يجب وجوده لم يوجد، باعتبار أن نسبة السلطنة إلى الفعل وجودا وعدما نسبة واحدة، ومع ذلك تكفي لتحقق أحد الطرفين بدون الحاجة إلى ضم مقدمة أخرى إليها وإلا لتخرج السلطنة عن كونها سلطنة وهو خلف، وقد يعبر عن السلطنة بالاختيار تارة وبالمشيئة أخرى، وسيأتي هذا البحث بمزيد من التوضيح قادما.
بقي هنا شيء هو أنه قد ورد في صحيحة عمر بن اذنيه قوله (عليه السلام): " خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة " (1).
يقع الكلام في المراد من المشيئة المخلوقة بنفسها، فهل المراد منها السلطنة والاختيار أو الإرادة فيه قولان:
فذهب المحقق الأصبهاني (قدس سره) إلى القول الأول بدعوى أن المشيئة على نوعين: