متمثلة في العظم واللحم والشحم والدم والمخ والعصب وما شاكل ذلك، وهي معلولة مباشرة لعلة ثانية وهي المواد الغذائية المحللة في جهاز الهضم الذي هو أعظم معمل كيميائي دقة ونظاما، فإنه يحلل الأغذية المختلفة بأساليب مدهشة ويوزع المواد الغذائية الصالحة على بلايين الخلايا الحية التي يأتلف منها جسم الانسان وهي معلولة لحلقة ثالثة وهكذا إلى أن تنتهي السلسلة والحلقات إلى الحلقة الواجبة بالذات التي لم تنبثق من حلقة سابقة وهي الذات الأزلية ومبدأ تلك الحلقات، فإنها لابد أن تبدأ بها وإلا فلا توجد، فإذن لابد من وجود علة واجبة بالذات في خارج حدود السلسلة المادية لكي يمدها ويفيض عليها بشكل دائم ومستمر، باعتبار أنها عين التعلق والارتباط بها، فإذا انقطعت الإفاضة في لحظة انتهت السلسلة وانهارت في نفس اللحظة.
والخلاصة: أن مبادئ الفعل بيده تعالى وتحت سلطنته المطلقة حدوثا وبقاء هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن معنى ذلك ليس أن الانسان مسلوب القدرة والسلطنة وأنه لا حول ولا قوة له بل له سلطنة على فعله شريطة وجود المبادي فيه، وقد تقدم أن الفطرة السليمة الوجدانية تحكم بثبوت السلطنة والاختيار له على الفعل وجودا وعدما، بداهة أن كل الانسان يرى بالوجدان هذه السلطنة والاختيار وأن له أن يفعل وله أن يترك، ولهذا تكون نسبتها إلى الطرفين من الفعل نسبة واحدة ولا يخرج الفعل بسبب وجودها في النفس عن حد الامكان والتعادل بين الوجود والعدم إلى حد الضرورة والوجوب، كما أنه لا يرى وجدانا في نفسه عامل آخر يجبره على الفعل أو الترك ويبعثه على صدوره منه بالضرورة والوجوب، وذلك لأن الصفات الموجودة في النفس غير الإرادة، فهي لا تصلح أن تكون علة تامة للفعل بالمفهوم الفلسفي، وأما الإرادة فجماعة من الأصوليين تبعا للفلاسفة وإن ذهبت إلى أنها علة تامة له، ولكن قد تقدم في