سر حاجة الممكن إلى العلة ليس كامنا في حدوثه وهو الوجود المسبوق بالعدم ويكون في بقائه حرا ومالكا لاستقلاله ووجوده متحررا عنها، بل هو كامن في صميم كيانه ووجوده، حيث أنه عين الحاجة والفقر لا شيء له الحاجة والفقر وإلا لننقل الكلام إلى ذلك الشئ وهكذا فيلزم التسلسل، فإذا كان الممكن عين الفقر والتعلق بالعلة فلا فرق حينئذ بين الوجود الأول والوجود الثاني، لفرض أن الوجود هو عين الفقر والتعلق ولا يعقل أن يكون الوجود الثاني منه واجبا ومتحررا عن العلة وإلا لم يكن بقاء للممكن لأن الواجب ليس بقاء، له ولا زم ذلك انقلاب الممكن إلى الواجب بنفسه وهو مستحيل، وأيضا لازم هذا عدم عروض الزوال عليه بعد وجوده لأنه بعد تحرره عن العلة غني بالذات، فإذا كان كذلك فلا يعرض عليه الفناء والانهيار والتفكك، لأن عروض ذلك إنما هو من جهة انتفاء العلة المباشرة من جهة وقطع الإفاضة من المبدأ الأول من جهة أخرى، فإذا كان متحررا عن العلة المباشرة وغنيا بالذات عن إفاضة المبدأ الأول فبطبيعة الحال لم يعرض عليه الزوال والانهيار، وهذا خلاف الوجدان والمشاهد.
فالنتيجة، أن حاجة الممكن إلى العلة انما هي في وجوده باعتبار أنه نفس التعلق بالعلة والارتباط بها ذاتا، وعليه فلا يعقل الفرق بين الوجود المسبوق بالعدم والوجود المسبوق بالوجود، وعلى ضوء هذا الأساس فمبادئ فعل العبد المتمثلة في الحياة والقدرة والعلم والشعور وغير ذلك بيده تعالى حدوثا وبقاء وخارجة عن قدرة العبد واختياره، فإنه تعالى يمدها ويفيض عليها بصورة مستمرة وفي أي لحظة انقطعت الإفاضة عليها انهارت وانعدمت.
وبكلمة، أن العلة المباشرة لمبادي الفعل كامنة في صميم طبيعة الانسان وهي