هذا النظام الجملي التسلسلي للوجود بأمرين آخرين:
الأول: أنه على ضوء هذه النظرية وهي أن ذاته الأزلية علة تامة للأشياء بالمفهوم الفلسفي لا يمكن اثبات علة أولي للعالم التي لم تنبثق عن علة سابقة، والنكتة في ذلك أن سلسلة العلل والحلقات المتصاعدة التي ينبثق بعضها من بعض لا تخلو من أن تتصاعد تلك الحلقات وتذهب إلى مالا نهاية لها أو لها نهاية، فعلى الأول هو التسلسل الباطل، ضرورة أن هذه الحلقات جميعا معلولات وارتباطات فتحتاج في وجودها وتحققها إلى علة ذاتية واجبة الوجود حتى تنبثق منها وإلا استحال تحققها، وعلى الثاني يلزم وجود المعلول بدون علة، وذلك لأن السلسلة إذا كانت لها نهاية فلا محالة تكون مسبوقة بالعدم، ومن الطبيعي أن ما يكون مسبوقا بالعدم ممكن فلا يصلح أن يكون علة للعالم، مبدأ له هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى أنه لا علة له، فالنتيجة على ضوئهما هي وجود الممكن بلا علة وسبب وهو محال، كيف أن في ذلك القضاء الحاسم على مبدأ العلية، فإذن على القائلين بهذه النظرية أن يلتزموا بأحد أمرين إما بالقضاء على مبدأ العلية أو بالتسلسل وكلاهما محال (1).
ولكن للمناقشة في هذا التعليق مجالا، بتقريب أن التزام الفلاسفة بسلسلة طولية وحلقات تصاعدية للوجود بالتفسير الخاص إنما هو على أساس أنه لا يمكن تبرير تفسير اختلاف الأشياء وتنوعها في المظاهر والآثار إلا بذلك، وعلى هذا فهذه السلسلة التي ينبثق كل حلقة متأخرة منها عن حلقة سابقة، فلابد أن تنتهي إلى حلقة واجبة بالذات التي لا تنبثق عن علة سابقة وإلا لتذهب إلى مالا