ولكن حينئذ كما أن العرض يفنى فناء مطلقا بعد وجوده وينعدم كذلك الجوهر، وعليه ففناء العرض كاشف عن فناء الجوهر لا عن انتفاء المبدأ الأول، والسبب الأعلى للعالم وهو الذات الواجبة وفناء الجوهر نتيجة حتمية لطبيعة العالم المادي التجديدية لا من أجل حدوث العلة وتجددها، نعم يبقى هنا إشكال صلة الحادث المتجدد بالقديم الثابت وسوف نشير إليه، فالنتيجة أن ما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) من الاشكال غير تام، فالصحيح هو ما ذكرناه في المسألة.
وأما الأمر الثالث فقد ذكر الفلاسفة أن العلة إذا كانت قديمة وأزلية فلابد أن يكون معلولها أيضا كذلك بمقتضى مبدأ التناسب والسنخية بينهما ذاتا وكون المعلول وليد العلة وليس شيئا منفصلا عنها، وحيث أن الصادر من الذات الواجبة مباشرة هو الوجود المنبسط فهو قديم أزلي وليس حادثا مسبوقا بالعدم، فإذن لا مناص من الالتزام بقدم العالم.
والجواب عن ذلك قد ظهر مما تقدم، اما أولا: فلأنه مبني على أن ذاته الواجبة علة تامة للأشياء بالمفهوم الفلسفي، ولكن قد سبق موسعا خطأ هذه النظرية وعدم امكان الالتزام بها، لأنها مضافا إلى كونها مخالفة للوجدان والبرهان، تستلزم نفي القدرة والسلطنة عن الخالق للعالم وهو لا يمكن.
وثانيا: أنه لا يدفع الاشكال عن العالم المادي إذ لا شبهة في حدوث هذا العالم وتغيره وتجدده بصورة مستمرة، وعليه فلا يعقل أن تكون علته قديمة ثابتة لاستحالة صدور الحادث المتغير المتجدد كذلك عن القديم الثابت هذا، وقد أجاب عن هذا الاشكال صدر المتألهين (1).