وإلا لأمكن تأثير كل شيء في كل شيء، ومعنى هذا انهيار مبدأ العلية وفيه القضاء الحاسم على جميع العلوم الطبيعية بمختلف أشكالها.
وبكلمة، أن المادة الأصيلة موجودة في التراب والماء والحديد والأزوت والرصاص والذهب والفضة وهكذا، على أساس أن تلك الأشياء المتنوعة جميعا بالتحليل العلمي ترجع إلى مادة واحدة وتلك المادة الواحدة موجودة في كل واحد من هذه الأشياء بعنوانه الخاص، فإذن كيف يمكن تفسير اختلافاتها وتباينها مع أن مبدئها وهو المادة واحد بالسنخ فيجب أن يكون أثره أيضا واحدا كذلك، فاختلاف الأشياء في التنوع والآثار برهان قطعي على أن المادة الأصيلة الواحدة لا تكون سببا وعلة لها، بداهة أن الحقيقة الواحدة لا تختلف آثارها ولا تتباين أفعالها على أساس قاعدة فلسفية فطرية وهي أن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد.
النقطة الثانية: أن الشئ المتحرك منذ بداية تحركه وتطوره يملك طاقات وإمكانات في صميم طبيعته وكيان وجوده وبالحركة تستنفد تلك الطاقات والامكانات تدريجا وتستبدل في كل مرحلة من مراحل الحركة الطاقة والقوة بالفعل والامكان بالوجود إلى أن تستنفد الطاقات والامكانات نهائيا، فتوقف الحركة باعتبار أن الحركة تنطوي على وجود واحد مستمر على طول الخط من المبدأ إلى المنتهى ومنذ أن تنطلق إلى أن تتوقف، وكل مرحلة تمثل درجة من درجات هذا الوجود الواحد.
وعلى هذا فكون وجود المادة ذات درجات ومراحل متفاوتة من القضايا الأولية كوجود البياض مثلا، فإنه ذات مراتب ودرجات متفاوتة وهكذا، ومن الطبيعي أن المرتبة الأولى من المادة لا يمكن أن تكون علة وسببا للمرتبة الأعلى