الباري عز وجل كخضوع المعلول للعلة التامة بالمفهوم الفلسفي، ومن هنا لا يكون تأثير السلطنة في الأشياء وجودا وعدما مبنيا على القاعدة الثانية، كما أن صدورها منها ليس مبنيا على القاعدة الثالثة، فإن ضرورتها بالسلطنة إنما هي من الضرورة بشرط المحمول أي بشرط الوجود لا الضرورة بالعلة كما هو مقتضى هذه القاعدة، فلذلك لا تنطبق القاعدتان عليها.
وأما القاعدة الرابعة، فهي تنطبق على المقام، لأن الأشياء في حدوثها وبقائها بحاجة إلى الإفاضة والامداد من الله تعالى بسلطنته وقدرته آنا فآنا، فلو انقطعت الإفاضة عليها انعدمت، هذا كله بالنسبة إلى الحلقة الثانية من الحلقات التصاعدية للوجود.
وأما الحلقة الثالثة فعلتها المباشرة هي الحلقة الثانية، وحيث أنها من الأشياء الطبيعية التكوينية فلا محالة تكون عليتها لها انما هي بالمفهوم الفلسفي، فلذلك تنطبق عليها جميع القواعد المذكورة، وعلى هذا الأساس فالأفعال الاختيارية تختلف عن الحوادث الطبيعية، فإن الأفعال الاختيارية خاضعة لسلطنة الفاعل وجودا وعدما لا على أساس مبدأ التناسب الذاتي بينهما بل على أساس أن السلطنة على الفعل وحدها تكفي لتحقق أحد الطرفين بدون الحاجة لها إلى ضم مقدمة خارجية إليها، بينما الحوادث الطبيعية التي هي علل لآثارها ومعلولات لأسبابها في الحلقة السابقة خاضعة لمبدء التناسب والسنخية، فالنتيجة أن السلطنة علة للفعل لا بالمفهوم الفلسفي.
إلى هنا قد تبين أنه لا شبهة في بطلان هذه النظرية، فإنه مضافا إلى استلزامها نفي القدرة والسلطنة عن الباري عز وجل أنها مخالفة للوجدان والبرهان. أما الأول فلأن الفطرة السليمة الوجدانية تحكم بأن أفعاله تعالى خاضعة للسلطنة