والخالق للعالم وهو كما ترى.
وثانيا: أنه لا يمكن تفسير اختلاف الأشياء بمظاهرها وحركاتها وتنوعها من الماء والتراب والنار والحديد والأزوت والرصاص والذهب والفضة والخشب وغير ذلك على أساس مبدأ واحد للعالم بالتفسير الفلسفي، لأن العلة التامة إذا كانت واحدة فلابد أن يكون معلولها أيضا كذلك بمقتضى مبدأ التناسب، غاية الأمر إن كانت وحدتها شخصية فوحدة معلولها أيضا كذلك، وإن كانت نوعية فكذلك، بداهة أنه لا يمكن أن تكون دائرة المعلول أوسع من دائرة العلة أو أضيق، كيف فإن المعلول عين الربط والتعلق بالعلة ووليد منها وكامن في صميم كيانها ووجودها، ولهذا يكون من مراتب وجودها النازلة وليس شيئا منفصلا عنها.
وعلى ضوء هذا الأساس فإذا كان مبدأ العالم واحدا استحال أن تختلف آثاره ومظاهره وتتنوع أفعاله بقاعدة أن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد، وحيث أن ذاته المقدسة واحدة من جميع الجهات والحيثيات فيستحيل أن تصدر منها أفعال متباينة ومتنوعة في طول سلسلة وجودها وحلقاتها التصاعدية، على أساس إنها برمتها متولدة من الذات الواجبة بالمباشرة أم بالواسطة.
فالنتيجة: أنه لا يمكن تفسير اختلاف الأشياء في الآثار والاحكام والتنوع على ضوء تفسير الفلاسفة علية ذاته المقدسة للأشياء، وهو أنها جامعة لجميع تلك الأشياء بنحو الأتم والأشد بلا حدود لها في مرتبة ذاته، ثم تتولد منها وتتكثر على ضوء القانون القائل بأن العلل المتصاعدة في الحساب الفلسفي التي ينبثق بعضها عن بعض يجب أن يكون لها بداية أي علة أولي لم تنبثق عن علة سابقة، إذ لا يمكن أن يذهب تسلسل العلل إلى ما لا نهاية له، لأن كل معلول