تعلق علمه الذاتي الأزلي بالأشياء قبل وجودها، لأنه لا يمكن أن يكون تعلقه بها بنحو العلم الحصولي فإنه غير متصور في الواجب تعالى، كما لا يمكن أن يكون بنحو الحضور لأنه فرع وجود تلك الأشياء، وأما تعلقه بها بكيفية أخرى فهو خارج عن دائرة تصورنا، وهذا لا ينافي التصديق بأنه تعالى عالم بالأشياء بالعلم الأزلي وإن علمه هذا عين ذاته المقدسة.
فإذا كانت حقيقة العلم انكشاف الأشياء على ما هي عليه في الواقع، استحال أن يكون مؤثرا في وقوعها في الخارج، لأن وقوعها خاضع لعللها في الواقع والعلم تعلق بوقوعها فيه وليدا من عللها. وعلى هذا فعلمه تعالى بصدور الفعل من العبد بسلطنته واختياره في المستقبل لا يوجب ضرورة صدوره منه لكي يكون خارجا عن اختياره وجدانا وبرهانا.
أما الأول فلأن كل عالم إذا رجع إلى وجدانه يدرك أن العلم لا يغير الواقع ولا يؤثر فيه بل هو مجرد انكشاف عما هو عليه في الواقع.
وأما الثاني فلأن علمه تعالى تعلق بصدور الفعل من العبد بسلطنته وإعمال قدرته، وعليه فلابد أن يصدر منه كذلك وإلا لكان علمه جهلا أعاذنا الله من ذلك. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى أن علمه تعالى بوقوع الفعل من العبد في الخارج ليس من إحدى مقدماته ومباديه لأن مقدماته ومباديه عبارة عن حياة العبد وقدرته وعلمه بالحال، فالعبد مختار في فعله شريطة وجود هذه المبادئ والمقدمات فيه.
وأما الوجه الثاني فلأنه مبني على نظرية الفلاسفة من أن ذاته العليمة علة تامة لتكوين الأشياء وإيجادها بكافة سلسلتها الطولية العرضية وحلقاتها