وبذلك يمتاز هذا المقام عن المقام الأول، حيث إن في المقام الأول كان الأمر المتعلق بالواجب الموسع والمضيق كلاهما فعليا، ولم يكن تناف بين الأمرين أصلا، وإنما التنافي كان بين الإتيان بفرد من الواجب الموسع والواجب المضيق.
ومن هنا قلنا: إنه يصح الإتيان بالفرد المزاحم بداعي الأمر المتعلق بالطبيعة الجامعة بين الأفراد العرضية والطولية، حتى على القول باشتراط صحة العبادة بقصد الأمر المتعلق بها فعلا.
وقد تحصل من ذلك: أن النقطة الرئيسية للفرق بين المقامين هي ما ذكرناه:
من أن تعلق الأمر فعلا بكلا الواجبين في المقام الأول كان ممكنا، ولكنه لا يمكن في هذا المقام.
وعلى ضوء تلك النقطة لا يمكن تصحيح العبادة المزاحمة مع الواجب الأهم بالأمر الفعلي.
ومن هنا لا يتأتى في هذا المقام ما أفاده المحقق الثاني (قدس سره) من التفصيل بين القولين، فإنه مبتن على إمكان تعلق الأمر فعلا بالضد العبادي على القول بعدم الاقتضاء، وقد عرفت عدم إمكان تعلقه في هذا المقام مطلقا.
وعلى الجملة: فالمقام الثاني يمتاز عن المقام الأول في نقطة، ويشترك معها في نقطة أخرى. أما نقطة الامتياز فقد عرفت. وأما نقطة الاشتراك فهي أنهما يشتركان في تصحيح العبادة المزاحمة مع الواجب الأهم بوجهين آخرين، هما:
القول باشتمالها على الملاك، والقول بصحة الأمر بالضدين على نحو الترتب.
أما الوجه الأول: فقد تقدم الكلام فيه في المقام الأول مفصلا، وقلنا: إنه لا يمكن إحراز أن الفرد المزاحم تام الملاك، وما ذكروه من الوجوه لإثبات اشتماله على الملاك قد عرفت فساد جميعها بصورة مفصلة، فلا حاجة إلى الإعادة مرة أخرى.
وأما الوجه الثاني الذي يمكن تصحيح العبادة المزاحمة بالواجب الأهم به:
هو الالتزام بجواز الأمر بالضدين على نحو الترتب، وتفصيله على الوجه التالي.