لما تقدم: من أنه لا يمكن إحراز الملاك إلا من ناحية الأمر (1)، فلو تم هذا التوهم لكان مقتضاه عدم جريان الترتب مطلقا، حتى في الواجب المشروط بالقدرة عقلا.
إذا الصحيح: هو عدم الفرق في صحة الترتب وإمكانه بين أن يكون الواجب مشروطا بالقدرة عقلا أو مشروطا بها شرعا.
والوجه في ذلك: هو أن مبدأ إمكان الترتب نقطة واحدة، وهي: أن تعلق الأمر بالمهم على تقدير عصيان الأمر بالأهم لا يقتضي طلب الجمع بين الضدين ليكون محالا، بل يقتضي الجمع بين الطلبين في زمان واحد، ولا مانع منه أصلا إذا كان المطلوب في أحدهما مطلقا، وفي الآخر مقيدا بعدم الإتيان به، ومترتبا عليه على نحو لو تمكن المكلف من الجمع بينهما في الخارج وإيجادهما معا فيه لم يقعا على صفة المطلوبية، ولذا لو أتى بهما بقصد الأمر والمطلوبية لكان ذلك تشريعا ومحرما. وسيجئ الكلام من هذه الجهة - إن شاء الله تعالى - بصورة مفصلة (2).
وعلى ضوء ذلك لا يفرق بين ما إذا كانت القدرة مأخوذة في المهم عقلا، وما إذا كانت مأخوذة فيه شرعا، فإن ملاك صحة الترتب - وهو عدم التنافي بين الأمر بالأهم والأمر بالمهم إذا كانا طوليين - مشترك فيه بين التقديرين، فإذا لم يكن الأمر بالأهم مانعا عن الأمر بالمهم - لا عقلا ولا شرعا إذا كان في طوله - فلا مانع من الالتزام بتعلق الأمر به على نحو الترتب ولو كانت القدرة المأخوذة فيه شرعية.
وعليه يترتب: أن المكلف إذا لم يصرف الماء في واجب أهم وعصى أمره فلا مانع من تعلق الأمر بالوضوء أو الغسل لتحقق موضوعه في الخارج، وهو كونه واجدا للماء ومتمكنا من استعماله عقلا وشرعا. أما عقلا فهو واضح. وأما شرعا فلأن الأمر بالأهم على تقدير عصيانه لا يكون مانعا.
أو فقل: إن مقتضى إطلاق الآية المباركة أو نحوها: أن الوضوء أو الغسل واجب، سواء أكان هناك واجب آخر أم لا، غاية الأمر أنه إذا كان هناك واجب آخر يزاحمه يسقط إطلاق وجوبه لا أصله، إذ أن منشأ التزاحم هو إطلاقه،