- كما هو الصحيح - لا حكم العقل بقبح تكليف العاجز فلا يتم ما ذكره، ولا يمكن تصحيح الفرد المزاحم بقصد الأمر أصلا. فها هنا دعويان:
الأولى: أن منشأ اعتبار القدرة في متعلق التكليف اقتضاء نفس التكليف ذلك لا حكم العقل.
الثانية: أن التفصيل المزبور لا يتم على هذا الأصل.
أما الدعوى الأولى: فلأن الغرض من التكليف جعل الداعي للمكلف نحو الفعل. ومن الواضح أن هذا المعنى بنفسه يستلزم كون متعلقه مقدورا، لاستحالة جعل الداعي نحو الممتنع عقلا أو شرعا. فإذا كان التكليف بنفسه مقتضيا لاعتبار القدرة في متعلقه فلا تصل النوبة إلى حكم العقل بذلك، ضرورة أن الاستناد إلى أمر ذاتي في مرتبة سابقة على الاستناد إلى أمر عرضي.
وإن شئت فقل: إن الغرض من البعث انبعاث المكلف نحو الفعل. ومن الواضح امتناع الانبعاث نحو الممتنع وحصول الداعي له إلى إيجاده، فإذا امتنع الانبعاث والداعوية امتنع جعل التكليف لا محالة.
وأما الدعوى الثانية: فهي مترتبة على الدعوى الأولى، وذلك لأن التكليف إذا كان بنفسه مقتضيا لاعتبار القدرة في متعلقه فلا محالة ينحصر متعلقه بخصوص الأفراد المقدورة، فتخرج الأفراد غير المقدورة عن متعلقه.
وعلى الجملة: فنتيجة اقتضاء نفس التكليف ذلك - أي اعتبار القدرة - هي أن متعلقه حصة خاصة من الطبيعة، وهي الحصة المقدورة. وأما الحصة غير المقدورة خارجة عن متعلقه وإن كانت من حصة نفس الطبيعة إلا أنها ليست من حصتها بما هي مأمور بها، ومتعلقة للتكليف. وعلى ذلك فالفرد المزاحم بما أنه غير مقدور شرعا - وهو في حكم غير المقدور عقلا - خارج عن حيز الأمر، ولا يكون مصداقا للطبيعة المأمور بها بما هي مأمور بها، فإن انطباق الطبيعة المأمور بها عليه يتوقف على عدم تقييدها بالقدرة. وحيث إنها كانت مقيدة بها - على الفرض - امتنع انطباقها على ذلك الفرد ليحصل به الامتثال.