من الأمثلة المتقدمة، فوقتئذ لو عصى المكلف وارتكب المحرم بالاغتراف من تلك الأواني فلا محالة يتمكن من الوضوء بمقدار غسل الوجه أو من الغسل بمقدار غسل الرأس مثلا، ولكنه لما علم بأنه يعصي ويغترف منها ثانيا وثالثا وهكذا... علم بأنه قادر على الوضوء أو الغسل بالتدريج. وعليه فلا مناص من الحكم بوجوبه بناء على الأساسين المتقدمين، هما: كفاية القدرة التدريجية في مقام الامتثال، والالتزام بإمكان الترتب وجوازه.
ومن ذلك يظهر: أن ما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) من بطلان الوضوء أو الغسل في هذا الفرض لا يمكن المساعدة عليه (1).
والوجه في ذلك: هو أن ما ذكره (قدس سره) مبني على ما أسسه من ابنتاء جريان الترتب على كون العمل واجدا للملاك حين الأمر به، وبما أن الوضوء أو الغسل في ما نحن فيه غير واجد له فإن وجدانه يتوقف على كون المكلف واجدا للماء من الأول، والمفروض عدمه هنا، إذ كونه واجدا له موقوف على جواز تصرفه في الأواني، وبما أنه محرم وممنوع شرعا والممنوع الشرعي كالممتنع العقلي فلم يكن واجدا للماء ومتمكنا من استعماله عقلا وشرعا.
ولكن قد عرفت فساد ما أفاده (قدس سره) وأن جريان الترتب في مورد لا يتوقف على ذلك، وقد أوضحناه بصورة مفصلة (2) فلا نعيد. هذا من ناحية الملاك. وأما من ناحية عدم كون المكلف واجدا للماء فأيضا يظهر فساده مما ذكرناه الآن من أنه لا فرق بين كون المكلف واجدا للماء بالفعل وكونه واجدا له بالتدريج، فالترتب كما يجري في الأول كذلك يجري في الثاني، من دون فرق بينهما من هذه الجهة أبدا كما عرفت بشكل واضح.
فالنتيجة قد أصبحت: أن النقطة الرئيسية لصحة الوضوء أو الغسل في أمثال المقام هي كفاية القدرة على العمل في مقام الامتثال بالتدريج، وعدم