التدريجية كافية في مقام الامتثال، ولا تعتبر القدرة الفعلية، وعليه فلا مانع من الالتزام بوجوبها من ناحية الترتب، بل لا مناص من ذلك.
وقد تبين لحد الآن: أن تدريجية وجود القدرة مرة من ناحية تدريجية وجود مقتضيه وتحققه في الخارج.
ومرة أخرى من ناحية تدريجية ارتفاع مانعه.
ومرة ثالثة من ناحية تدريجية عصيان الأمر بالأهم.
ومثال الأول ما مر من أنه إذا كان عند المكلف ثلج فيذوب شيئا فشيئا ولم يكن عنده إناء ليجمع ماءه فيه ثم يتوضأ أو يغتسل به فلا يقدر على جمعه إلا بمقدار يسع كفه. أو إذا فرض خروج الماء من الأرض بمقدار يسعه كفه دون الزائد، ولكنه إذا أخذ ذلك الماء يخرج منها بهذا المقدار ثانيا، وهكذا. أو إذا كان عنده مقدار من الماء لا يفي لوضوئه أو غسله، ولكنه يعلم بنزول المطر بعد صرفه في غسل الوجه أو الرأس من جهة إخبار المعصوم (عليه السلام) به، أو من طريق آخر ففي هذه الموارد وما شاكلها جميعا لا شبهة في وجوب الوضوء أو الغسل، بناء على كفاية القدرة التدريجية كما هو الصحيح. وقد تقدم أن العقل مستقل بكفايتها، وأن حكم العقل بذلك لم يدع مجالا لتوهم اعتبار القدرة الفعلية في مقام الامتثال لتكون نتيجته سقوط وجوب الوضوء أو الغسل في تلك الموارد وانتقال الوظيفة إلى التيمم.
ومثال الثاني: ما إذا كان الماء ملكا لغيره ولم يرض بالتصرف فيه إلا بالأخذ منه بمقدار غرفة لا يفي إلا لغسل الوجه فحسب، ولكنه يعلم بأنه يرضى بعد غسل وجهه بالأخذ منه ثانيا وثالثا، وهكذا... كما عرفت. أو إذا كان هناك مانع آخر لا يتمكن معه من الوضوء أو الغسل إلا تدريجا، ففي كل ذلك لا مناص من الالتزام بوجوب الوضوء أو الغسل كما تقدم بصورة واضحة.
ومثال الثالث: ما إذا كان الماء في الأواني المغصوبة أو الذهب والفضة ولم يتمكن المكلف من تفريغه في إناء آخر، كما هو مفروض الكلام هنا، أو ما ذكرناه