ولكنه غفلة عن الواقع، وذلك لأن المأمور به في المسألة الأولى إنما هو القراءة الجهرية أو الإخفاتية، وفي المسألة الثانية إنما هو الصلاة قصرا أو الصلاة تماما. ومن الواضح جدا أنهما من الضدين اللذين لهما ثالث، ضرورة أن القراءة الجهرية ليست ضرورية الوجود عند ترك القراءة الإخفاتية أو بالعكس، كما أن الصلاة تماما ليست ضرورية الوجود عند ترك الصلاة قصرا، إذ المكلف عند ترك القراءة جهرا يمكن أن يأتي بها إخفاتا، ويمكن أن لا يأتي بها أصلا. كما أنه عند ترك الصلاة قصرا يمكن أن يأتي بالصلاة تماما، ويمكن أن لا يأتي بها أبدا، وعلى هذا فلا مانع من تعلق الأمر بهما على نحو الترتب بأن يكون الأمر بإحداهما مشروطا بعصيان الأمر بالأخرى، وعدم الإتيان بمتعلقه.
نعم، لا واسطة بين الجهر والإخفات في ظرف وجود القراءة، كما أنه لا واسطة بين القصر والتمام في فرض وجود الصلاة، فإن الصلاة إذا تحققت فلا محالة لا تخلو من كونها قصرا أو تماما، ولا ثالث لهما. كما أن القراءة إذا تحققت فلا تخلو من كونها جهرية أو إخفاتية. ولكن هذا ليس من محل الكلام في شئ، ضرورة أن المأمور به - كما عرفت - ليس هو الجهر أو الإخفات بما هو، والقصر أو التمام كذلك، بل المأمور به هو القراءة الجهرية والقراءة الإخفاتية، والصلاة قصرا والصلاة تماما. وقد عرفت أن بينهما واسطة فلا يكون وجود إحداهما ضروريا عند ترك الأخرى.
بل يمكن أن يقال: إن ما ذكره (قدس سره) لو تم فإنما يتم بالإضافة إلى مسألة الجهر والإخفات. وأما بالنسبة إلى الإتمام والتقصير فالواسطة موجودة، فإن معنى التقصير هو: الإتيان بالتسليمة في الركعة الثانية، ومعنى الإتمام هو: التسليم في الركعة الرابعة، ويمكن للمكلف ترك كلا الأمرين كما هو واضح.
وقد تحصل من ذلك: أن المسألتين داخلتان في موضوع بحث الترتب. فما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) من أنهما من الضدين اللذين ليس لهما ثالث مبني على غفلته عما ذكرناه، وتخيل أن المأمور به هو نفس الجهر والإخفات.