مثل هذا العلم داعيا إلى ترك شرب هذا المائع، وكذا الحال فيما إذا كان التكليف واصلا صغرى، ولكنه لم يصل كبرى، كما إذا علم أن هذا المائع المعين خمر ولكن لم يعلم حرمة شربه فلا يكون مجرد العلم بكونه خمرا مؤثرا في تركه.
ومن ذلك قلنا (1): إنه لا فرق في جريان البراءة بين الشبهات الحكمية والموضوعية، فكما أنها تجري في الأولى فكذلك تجري في الثانية، لأن ملاك الجريان فيهما واحد، وهو عدم العلم بالتكليف الفعلي، غاية الأمر أن جريانها في الأولى مشروط بالفحص، فلا تجري قبله دون الثانية، وفي المقام بما أنه لا يمكن إحراز موضوع الخطاب المترتب - وهو عصيان الخطاب المترتب عليه - فلا يمكن جعله، لأنه لغو فلا يصدر من الحكيم.
ثم أورد على نفسه: بأن المفروض في محل الكلام هو أن الجهل بالخطاب المترتب عليه ناشئ عن التقصير فلا يكون مانعا عن تنجز الخطاب المزبور وحصول عصيانه الذي اخذ في موضوع الخطاب المترتب، فإن المانع عن ذلك إنما هو الجهل عن قصور.
وأجاب عنه: بأن الخطاب الواقعي لا يكون منجزا وقابلا للدعوة في ظرف الجهل من دون فرق فيه بين كون الجهل عن قصور أو عن تقصير. وأما استحقاق العقاب فإنما هو على مخالفة الواقع في ظرف وجوب الاحتياط أو التعلم.
والوجه فيه: ما ذكرناه في محله من أن وجوب الاحتياط أو التعلم إنما هو من باب تتميم الجعل الأول، فالعقاب على مخالفة الواقع هو بعينه العقاب على مخالفة إيجاب الاحتياط أو التعلم، وبالعكس. وعلى هذا يترتب أن استحقاق العقاب على تقدير مخالفة الحكم الواقعي في موارد وجوب الاحتياط أو التعلم لا يصحح إحراز العصيان، فإن إحرازه يتوقف على وصول الحكم الواقعي بنفسه بالوجدان، أو بطريق معتبر من أمارة أو أصل محرز. ومن الواضح أنه ما لم يحرز العصيان لا وجدانا ولا تعبدا لا يكون الحكم المترتب عليه محرزا أيضا.