فقد تحصل: أن طلب أحد الضدين اللذين لا ثالث لهما على تقدير ترك الآخر طلب لما هو مفروض الوجود في الخارج، وهو مستحيل. كما أنه يستحيل طلب الشئ على فرض وجوده أو عدمه فيه على ما سبق.
وبعد ذلك نقول: إن الجهر والإخفات في القراءة بما أنهما من الضدين اللذين لا ثالث لهما، وكذا القصر والتمام فإن المكلف في حال القراءة لا يخلو من الجهر أو الإخفات، وكذا في حال الصلاة لا يخلو من القصر أو التمام ولا ثالث في البين فلا يعقل جريان الترتب فيهما، لفرض أن وجود أحدهما على تقدير ترك الآخر ضروري. وعليه، فيستحيل تعلق الأمر بأحدهما في ظرف ترك الآخر، لأنه طلب الحاصل.
فلا يمكن أن يقال: إن الإخفات مأمور به على تقدير ترك الجهر أو بالعكس، أو التمام مأمور به على تقدير ترك القصر.
فالنتيجة من ذلك: هي أن هاتين المسألتين خارجتان عن موضوع الترتب رأسا (1).
وغير خفي أن ما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) من الكبرى - وهي اختصاص القول بجواز الترتب بما إذا كان للواجبين المتضادين ثالث - في غاية المتانة والصحة.
والوجه فيه: ما عرفت في ضمن كلامه من أن وجود أحدهما إذا كان ضروريا عند ترك الآخر فلا يعقل تعلق الأمر به في هذا الحال، إلا أن تلك الكبرى لا تنطبق على المسألتين المزبورتين، وأنهما ليستا من صغرياتها ومصاديقها، وذلك لأن جعل محل الكلام في المسألتين من الضدين اللذين لا ثالث لهما غير مطابق للواقع، ومبني على تخيل أن المأمور به هو نفس الجهر والإخفات في هذه المسألة، والقصر والتمام في تلك المسألة. وعليه فالمكلف في حال القراءة لا محالة لا يخلو من الجهر أو الإخفات، كما أنه في حال الصلاة لا يخلو من القصر أو التمام.