وبتعبير آخر: أن تعلق الأمر بالضدين على نحو الترتب يبتنى على أخذ عصيان الأمر المترتب عليه في موضوع الأمر المترتب، وهذا في محل الكلام غير معقول، فلا يمكن أخذ عصيان الأمر بالإخفات - مثلا - في موضوع الأمر بالجهر.
والوجه في ذلك: هو أن المكلف بالقراءة الإخفاتية لا يخلو من أن يكون عالما بوجوب الإخفات عليه، أو يكون جاهلا به، ولا ثالث لهما.
أما الفرض الأول فهو خارج عن محل الكلام، إذ المفروض فيه توقف صحة الجهر على الجهل بوجوب الإخفات فلا يقع صحيحا في صورة العلم بوجوبه بالضرورة.
وأما على الفرض الثاني فعصيان وجوب الإخفات وإن كان متحققا في الواقع إلا أنه يستحيل جعله موضوعا لوجوب الجهر في ظرف الجهل، لاستحالة جعل حكم على موضوع لا يمكن إحرازه أصلا، فإن المكلف إذا علم بعصيانه وجوب الإخفات ينقلب الموضوع فيصير الواجب عليه عندئذ هو الجهر دون الإخفات، وإذا كان جاهلا به فلا يصل. وعليه فكيف يمكن أخذه في موضوع وجوب الجهر؟
وإن شئت فقل: إن فعلية الخطاب المترتب تتوقف على توفر شروط:
الأول: أن يكون الخطاب المترتب عليه فعليا ومنجزا.
الثاني: كون المكلف عاصيا له وغير آت به في الخارج.
الثالث: كونه عالما بعصيانه.
فعند توفر هذه الشروط الثلاثة يمكن القول بالترتب وبفعلية الخطاب المترتب، وإلا فلا يمكن القول به أبدا.
فالموارد التي تجري فيها أصالة البراءة عن التكليف المجهول - كما في الشبهات البدوية - تنتفي فيها الشروط الثلاثة معا، ضرورة أنه مع جريان البراءة لا يتنجز التكليف الواقعي، ومع عدم تنجزه فلا عصيان، فضلا عن العلم به. وعليه فلا يمكن القول بالخطاب الترتبي في تلك الموارد.
كما أنه في الموارد التي لا تجري فيها أصالة البراءة من جهة وصول التكليف