ولكن للشيخ الكبير (قدس سره) أن يدعي أن الدليل قد دل على وقوعه في المسألتين المزبورتين، وهو الروايات الصحاح الدالة على صحة الجهر في موضع الإخفات وبالعكس، وصحة التمام في موضع القصر.
وعليه فيتم ما أفاده (قدس سره) ثبوتا وإثباتا، ولا يرد عليه ما أورده شيخنا الأستاذ (قدس سره)، فإنه لم يدع الترتب في مقام التزاحم والفعلية ليرد عليه ما أورده، بل هو يدعي الترتب في مقام الجعل، وقد عرفت أنه بمكان من الوضوح، غاية الأمر أن وقوعه يحتاج إلى دليل وقد عرفت الدليل عليه، وهو الروايات المزبورة، فإذا يتم ما أفاده.
الثاني: ما أفاده (قدس سره): من أن مورد بحث الترتب هو ما إذا كان خطاب المهم مترتبا على عصيان الخطاب بالأهم وترك متعلقه. ومن الواضح أن هذا إنما يعقل فيما إذا لم يكن المهم ضروري الوجود في الخارج عند عصيان الأهم وعدم الإتيان به، وإلا فلا يعقل تعلق الأمر به في هذا الحال، ضرورة استحالة تعلق الطلب بما هو ضروري الوجود في الخارج، كما أنه يستحيل تعلقه بما هو ممتنع الوجود فيه.
وبذلك يظهر: أن مورد البحث في المسألة إنما هو في الضدين اللذين لهما ثالث: كالصلاة والإزالة - مثلا - والقيام والقعود والسواد والبياض وما شاكلهما، فإن وجود أحدهما لا يكون ضروريا عند عصيان الآخر وتركه. وأما الضدان اللذان لا ثالث لهما - كالحركة والسكون وما شابههما - فلا يعقل جريان الترتب فيهما، لأن وجود أحدهما عند عصيان الآخر وتركه ضروري فلا يكون قابلا لأن يتعلق به الخطاب الترتبي، بداهة أن طلبه عندئذ يكون من قبيل طلب الحاصل.
وعلى الجملة: فإذا كان وجود الشئ ضروريا على تقدير ترك الآخر كوجود الحركة - مثلا - على تقدير ترك السكون أو بالعكس لاستحال تعلق الأمر به على هذا التقدير، لأن قبل تحقق ذلك التقدير يستحيل كون الأمر المتعلق به فعليا، لاستحالة فعلية الحكم بدون فعلية موضوعه وتحققه، وبعد تحققه يكون طلبه طلبا لإيجاد الموجود وهو محال.