نعم يبقى الكلام في الجمع بين هذا الخبر وبين ما دل على الكفاية.
والظاهر: هو حمل هذا الخبر على تلك الأخبار الدالة على الكفاية، لاعتضاد تلك الأخبار بظاهر الآية الشريفة، حيث دلت على الأكل بالمعروف، وهو كما عرفت ما لا إسراف فيه ولا تقتير، وهو الحد الوسط. وبذلك يظهر أن ما أطال بها أصحابنا فيما قدمناه من أقوالهم، من القول بأقل الأمرين، بناء على الجمع بذلك بين الدليلين، من الاحتمالات والتخريجات لا ضرورة تلجئ إليه بل الأظهر الجمع بما ذكرناه، وحينئذ تجتمع الأخبار على القول بالكفاية حسبما يأتي تحقيقه انشاء الله تعالى.
ثم لا يخفى أن ظاهر الأخبار المتقدمة - بعد التأمل فيها يعين التحقيق -: أن المراد بالكفاية هو ما كان له ولعياله الواجبي النفقة.
أما - أولا - فلأن الآية والأخبار - كما عرفت - قد دلا على اشتراط الفقر في جواز الأخذ، ومنعا من الأخذ حال الغنى، ومن الظاهر المعلوم: أنه لو اقتصر في الكفاية على نفقته خاصة مع وجود الواجبي النفقة عليه، فإنه لا يخرج بذلك عن الفقر، ولا يدخل في الغنى، للاتفاق نصا وفتوى على أن الغنى إنما يحصل بملك مؤنة السنة لنفسه وعياله الواجبي النفقة قوة وفعلا وإلا فهو فقير.
وبالجملة فإن شرط الفقر الموجب لجواز الأخذ موجود، والغنى المانع من الأخذ مفقود، وحينئذ فلا معنى لتخصيص الكفاية به خاصة دون عياله المذكورين.
وأما - ثانيا - فلأن الأخبار قد دلت على اشتراط حبس نفسه على اصلاح أموالهم في جواز الأخذ، وحينئذ فاللازم من تخصيص الأخذ بما يكفيه خاصة ضياع عياله الواجبي النفقة، مع أنه يجب عليه الانفاق عليهم.
وبذلك يظهر جواز أخذه الكفاية له ولعياله المذكورين، ولا يختص بالأكل،