وأما ما يدل على الحكم الثاني، فما رواه في الكافي والتهذيب، عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما أنه سئل عن طعام يخلط بعضه ببعض، وبعضه أجود من بعض. فقال: إذا رؤيا جميعا فلا بأس، ما لم يغط الجيد الردئ (1).
أقول: قد عرفت دلالة خبر سعد الإسكاف على تحريم تغطية الجيد الردئ، وهو المشار إليه في هذا الخبر، فظاهر الخبرين الحرمة في الصورة المذكورة، ويمكن حمل ذلك على ما إذا أحصل الاشتباه ولم يعلم. ولو فرض العلم بعد البيع بظهور ذلك الردئ، فيمكن القول بالكراهة وأن للمشتري الخيار بظهور العيب حينئذ.
ثم إنه مع خفاء الغش - كما هو الحكم الأول - فقد عرفت أنه لا خلاف في التحريم، وإنما الخلاف في أنه هل يصح البيع؟ وإن ثبت للمشتري الخيار بعد ظهور ذلك، ويكون حكمه حكم ما لو ظهر في المبيع عيب من غير الجنس، أم لا؟ قولان.
جزم في المسالك بالأول، لما ذكرناه، ثم قال: وربما احتمل البطلان: بناء على أن المقصود بالبيع هو اللبن، والجاري عليه العقد هو المشوب، فيكون كما لو باعه هذا الفرس فظهر حمارا. وقد ذكروا في هذا المثال اشكالا من حيث تغليب الإشارة أو الاسم. والفرق بينه وبين ما نحن فيه ظاهر. انتهى.
أقول: الظاهر أن ما ذكره في تعليل البطلان من قوله: فيكون كما لو باعه إشارة إلى ما ذكره في الذكرى في باب صلاة الجماعة، حيث قال: ولو نوى الاقتداء بالحاضر على أنه زيد فبان عمرا، ففي ترجيع الإشارة على الاسم فيصح، أو بالعكس فيبطل، نظر. ونظيره: أن يقول المطلق لزوجته التي اسمها عمرة هذه زينب طالق أو يشير البايع إلى حمار، فيقول: بعتك هذا الفرس. انتهى.
أقول: من المحتمل قريبا أن النهي في الأخبار المتقدمة وما في معناه، إنما هو من حيث عدم صلاحية المبيع المذكور للبيع من حيث الغش، كبيع العذرة و نحوها مما منعت منه الأخبار، لعدم قابليتها للانتقال، وإن اختلف الوجه في كل منها