قوله تعالى: * (أولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) * (1) نوع إشعار بأن المسألة ليست مبنية على التأكيد، ويكون الحكم في الأولى غير الحكم في الثانية، فيكون المشار إليه في الأولى غير المشار إليه بالثانية، أو تكون هناك حالتان لطائفة، وتكون الإشارة الأولى مخصوصة بالحالة الأولى، وهي حالة الاتقاء، والثانية إلى الحالة الثانية، وهي الوصول إلى مقام المتقين بالاتصاف بالتقوى حقيقة.
أقول: المتدبر في الآيات السابقة، والمتأمل في خصوصيات الجمل الماضية، يحصل له القطع بأن هذه الآيات في مقام توصيف المتقين إلى قوله تعالى: * (أولئك على هدى من ربهم) * ثم هذه الأخيرة ليست حقيقة إخبارية، ولا في موقف التوصيف، لأن المعاني الحرفية لا تقع وصفا ونعتا، فالآية الخامسة مدح من الله تعالى، ونعت من الرب الودود، ناظرا إليهم مترنما: بأن أولئك الذين اهتدوا بهداية الكتاب العزيز، وكانوا يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، ومما رزقناهم ينفقون، وكانوا يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك، وكانوا يوقنون بالآخرة وبها يشهدون، أولئك عندنا على هدى من ربهم وأولئك عندنا لأجل كونهم على هدى من ربهم هم الفائزون، فلا فوز إلا فوز الهداية التي حصلت من الرب.
ويؤيد ما ذكرنا ما في سورة لقمان: * (ألم * تلك آيات الكتاب الحكيم * هدى ورحمة للمحسنين * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة