ومدهم في طغيانهم يعمهون.
وإن شئت قلت: جميع الأوصاف الإنسانية وجميع المحامد البشرية والرعايات الأخلاقية، ليست مطلوبة على الإطلاق، بل لكل منها حد مخصوص، ولها حالة استثنائية، فإذا كان الإنسان المنافق ينظر بعين السوء إلى حسن سلوك الآخرين، وينتفع من المداراة مع ضرر المؤمنين، ويتقوى بالصبر والحلم على هدم أساس المرسلين، فليس من تجويز العقل المداراة معه والحلم في حقه، بل الأخلاق والعقول متعاضدة على إعدام هؤلاء الناس، ولأحد أن يقول: إنهم ليسوا حينئذ من الناس، ولامن المنسلكين في أنواع الحيوان، ألا وهو العدو لله ولرسوله وللمؤمنين، فاحذروا منهم، وقاتلهم الله أنى يؤفكون * (أولئك كالانعام بل هم أضل سبيلا) *.
إذا تبين لك حل هذه المشكلة، فيا أخي في الله، ويا نفسي التي بين جنبي! خف الله قبل كل شئ، واحذروا فإن الطريق صعب والسدود كثيرة، وإذا ترى ضعفا في جهدك وفتورا في قواك، فهل إلى النجاة ترى من سبيل، وإلى الجنة تجد الصراط المستقيم؟ وهل بالفرار من المصائب تكون الرجعة، وإلى العدم والوراء يمكن الاهتدام؟ كلا ثم كلا، فكن مع الله في جميع الحالات * (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) * (1)، ولا تيأس من روح الله، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الفاسقون، وكن على بصيرة من أمرك، فإن الإنعامات الإلهية والعنايات الربانية - في جميع الآنات الزمانية والدهرية - تعشق