ألا ترى أن القائل إذا قال: (إذا زنى الزاني فأقم عليه الحد) فقد اشترط في إقامة الحد الزنا، فلا يمتنع من أن يجب عليه الحد بسبب آخر من قذف أو غيره، فتناوب الشرط في الأحكام معروف لا يدفعه محصل.
وأما قولهم: إن ذلك نسخ، فليس كل زيادة في النص نسخا، وإنما يكون نسخا إذا غيرت حال المزيد عليه وأخرجه (1) من كل أحكامه الشرعية، وقد علمنا أن إقامة الشاهد واليمين مقام الشاهدين لم تغير شيئا من أحكام قبول الشاهدين، بل ذلك على ما كان عليه بأن أضيف إليه مرتبة أخرى.
على أنه لو كان الأمر على ما ذهب إليه أصحاب أبي حنيفة - في أن الزيادة في النص نسخ على كل حال (2) من غير اعتبار بما ذكرناه - لما جاز أن يحكم في الزيادة أنها نسخ إلا إذا تأخرت عن دليل الحكم المزيد عليه، فأما إذا صاحبته أو تقدمت عليه لم يكن نسخا، لأن اعتبار تأخير الدليل في الناسخ واجب عند كل محصل، فمن أين لهم أن دليل العمل باليمين والشاهد من السنة كان متأخرا عن نزول الآية؟ وما ينكرون أن يكون ذلك مصاحبا أو متقدما؟
فإن تعلقوا بما روي من أن رجلا حضرميا ادعى على كندي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ألك بينة؟ " فقال: لا، فقال: " تريد يمينه؟ " فقال: لا، فقال: " ليس لك إلا شاهدان أو يمينه " (3).
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقصد إلى ذكر جميع الحجج وشرحها، ألا تراه إنه لم يذكر الشاهد والمرأتين - وإن كان ذلك حجة فيما تداعيا فيه بلا خلاف - وإنما ذكر .