وذكر الشافعي في هذا تفصيلا فقال: إن الجماعة إذا قتلت واحدا عمدا فإن القصاص يجب على جماعتهم بوجود شرطين:
أحدهما: أن يكون كل واحد من الجماعة مساويا للمقتول، حتى لو انفرد بقتله قتل به.
والثاني: أن يكون كل واحد منهم فعل به فعلا يجوز أن يموت منه لو وجد منفردا، فإذا وجد هذان الشرطان وجب القصاص على الجماعة (1)، وولي المقتول بالخيار بين ثلاثة أشياء: إن شاء قتل الجميع، وإن شاء عفا عن الجميع وأخذ الدية، وإن شاء عفا عن البعض وقتل البعض.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، وأيضا ما رواه جويبر، عن الضحاك من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا يقتل اثنان بواحد " (2).
فإن قيل: يحمل ذلك على أنه لا يقتل اثنان بواحد إذا كان أحدهما خاطئا.
قلنا: هذا تخصيص، وإضمار لما ليس في الظاهر.
فإن قيل: فأنتم تقتلون الاثنين بواحد إذا اختار ذلك ولي الدم وبذل دية الآخر.
قلنا: الظاهر يمنع من قتل الاثنين بواحد على كل حال، وإذا أخرجنا ما نذهب إليه في بذل الدية من الظاهر بقي ما عداه حجة على من خالفنا، وهو المقصود.
فإن تعلقوا بقوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة) (3) فلو كان القود لا يجب في حال الاشتراك لكان كل من أحب قتل غيره شارك آخر في قتله، وسقط القود عنهما، فبطل المعنى الذي نبه في الآية عليه.
.