القول عند الخلاء واستمر في ذكر ما يتعلق بالاستنجاء ثم رجع فذكر الوضوء مرة مرة وقد خفى وجه المناسبة على الكرماني فاستروح قائلا ما وجه الترتيب بين هذه الأبواب مع أن التسمية انما هي قبل غسل الوجه لا بعده ثم توسيط أبواب الخلاء بين أبواب الوضوء وأجاب بقوله قلت البخاري لا يراعى حسن الترتيب وجملة قصده انما هو في نقل الحديث وما يتعلق بصحيحه لا غير انتهى وقد أبطل هذا الجواب في كتاب التفسير فقال لما ناقش البخاري في أشياء ذكرها من تفسير بعض الألفاظ بما معناه لو ترك البخاري هذا لكان أولى لأنه ليس من موضوع كتابه وكذلك قال في مواضع أخر إذا لم يظهر له توجيه ما يقوله البخاري مع أن البخاري في جميع ما يورده من تفسير الغريب انما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبى عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبى عبيد وأمثالهما وأما المسائل الكلامية فأكثرها من الكرابيسي وابن كلاب ونحوهما والعجب من دعوى الكرماني انه لا يقصد تحسين الترتيب بين الأبواب مع أنه لا يعرف لاحد من المصنفين على الأبواب من اعتنى بذلك غيره حتى قال جمع من الأئمة فقه البخاري في تراجمه وقد أبديت في هذا الشرح من محاسنه وتدقيقه في ذلك ما لا خفاء به وقد أمعنت النظر في هذا الموضوع فوجدته في بادئ الرأي يظن الناظر فيه أنه لم يعتن بترتيبه كما قال الكرماني لكنه اعتنى بترتيب كتاب الصلاة اعتناء تاما كما سأذكره هناك وقد يتلمح انه ذكر أولا فرض الوضوء كما ذكرت وأنه شرط لصحة الصلاة ثم فضله وأنه لا يجب الا مع التيقن وأن الزيادة فيه على ايصال الماء إلى العضو ليس بشرط وأن ما زاد على ذلك من الاسباغ فضل ومن ذلك الاكتفاء في غسل بعض الأعضاء بغرفة واحدة وأن التسمية مع أوله مشروعة كما يشرع الذكر عند دخول الخلاء فاستطرد من هنا لآداب الاستنجاء وشرائطه ثم رجع لبيان أن واجب الوضوء المرة الواحدة وأن الثنتين والثلاث سنة ثم ذكر سنة الاستنثار إشارة إلى الابتداء بتنظيف البواطن قبل الظواهر وورد الامر بالاستجمار وترا في حديث الاستنثار فترجم به لأنه من جملة التنظيف ثم رجع إلى حكم التخفيف فترجم بغسل القدمين لا بمسح الخفين إشارة إلى أن التخفيف لا يكفي فيه المسح دون مسمى الغسل ثم رجع إلى المضمضة لأنها أخت الاستنشاق ثم استدرك بغسل العقبين لئلا يظن أنهما لا يدخلان في مسمى القدم وذكر غسل الرجلين في النعلين ردا على من قصر في سياق الحديث المذكور فاقتصر على النعلين على ما سأبينه ثم ذكر فضل الابتداء باليمين ومتى يجب طلب الماء للوضوء ثم ذكر حكم الماء الذي يستعمل وما يوجب الوضوء ثم ذكر الاستعانة في الوضوء ثم ما يمتنع على من كان على غير وضوء واستمر على ذلك إذا ذكر شيئا من أعضاء الوضوء استطرد منه إلى ما له به تعلق لمن يمعن التأمل إلى أن أكمل كتاب الوضوء على ذلك وسلك في ترتيب الصلاة أسهل من هذا المسلك فأورد أبوابها ظاهرة التناسب في الترتيب فكأنه تفنن في ذلك والله أعلم (قوله الخبث) بضم المعجمة والموحدة كذا في الرواية وقال الخطابي انه لا يجوز غيره وتعقب بأنه يجوز اسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه ككتب وكتب قال النووي وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بان الباء هنا ساكنة منهم أبو عبيدة الا ان يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشتبه بالمصدر والخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة يريد ذكر ان الشياطين وإناثهم قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما ووقع في نسخة
(٢١٣)