الجبهة فلا يحتاج إلى شئ مما ذكر لكن قوله بنى يشعر بوجود بناء على الحقيقة ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة من بنى لله بيتا أخرجه سمويه في فوائده باسناد حسن وقوله في رواية عمر من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله أخرجه ابن ماجة وابن حبان وأخرج النسائي نحوه من حديث عمرو ابن عبسة فكل ذلك مشعر بان المراد بالمسجد المكان المتخذ لا موضع السجود فقط لكن لا يمتنع إرادة الآخر مجازا إذ بناء كل شئ بحسبه وقد شاهدنا كثيرا من المساجد في طرق المسافرين يحوطونها إلى جهة القبلة وهى في غاية الصغر وبعضها لا تكون أكثر من قدر موضع السجود وروى البيهقي في الشعب من حديث عائشة نحو حديث عثمان وزاد قلت وهذه المساجد التي في الطرق قال نعم وللطبراني نحوه من حديث أبي قرصافة واسنادهما حسن (قوله قال بكير حسبت أنه) أي شيخه عاصما بالاسناد المذكور (قوله يبتغى به وجه الله) أي يطلب به رضا الله والمعنى بذلك الاخلاص وهذه الجملة لم يجزم بها بكير في الحديث ولم أرها الا من طريقه هكذا وكأنها ليست في الحديث بلفظها فان كل من روى حديث عثمان من جميع الطرق إليه لفظهم من بنى لله مسجدا فكأن بكيرا نسيها فذكرها بالمعنى مترددا في اللفظ الذي ظنه فان قوله لله بمعنى قوله يبتغى به وجه الله لاشتراكهما في المعنى المراد وهو الاخلاص * (فائدة) * قال ابن الجوزي من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه بعيدا من الاخلاص انتهى ومن بناه بالاجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الاخلاص وإن كان يؤجر في الجملة وروى أصحاب السنن وابن خزيمة والحاكم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا ان الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه المحتسب في صنعته والرامي به والممد به فقوله المحتسب في صنعته أي من يقصد بذلك اعانة المجاهد وهو أعم من أن يكون متطوعا بذلك أو بأجرة لكن الاخلاص لا يحصل الا من المتطوع وهل يحصل الثواب المذكور لمن جعل بقعة من الأرض مسجدا بان يكتفى بتحويطها من غير بناء وكذا من عمد إلى بناء كان يملكه فوقفه مسجدا ان وقفنا مع ظاهر اللفظ فلا وان نظرنا إلى المعنى فنعم وهو المتجه وكذا قوله بنى حقيقة في المباشرة بشرطها لكن المعنى يقتضى دخول الامر بذلك أيضا وهو المنطبق على استدلال عثمان رضي الله عنه لأنه استدل بهذا الحديث على ما وقع منه ومن المعلوم انه لم يباشر ذلك بنفسه (قوله بنى الله) اسناد البناء إلى الله مجازا وابراز الفاعل فيه لتعظيم ذكره جل اسمه أو لئلا تتنافر الضمائر أو يتوهم عوده على باني المسجد (قوله مثله) صفة لمصدر محذوف أي بنى بناء مثله ولفظ المثل له استعمالان أحدهما الافراد مطلقا كقوله تعالى فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا والآخر المطابقة كقوله تعالى أمم أمثالكم فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنية متعددة فيحصل جواب من استشكل التقييد بقوله مثله مع أن الحسنة بعشرة أمثالها لاحتمال أن يكون المراد بنى الله له عشرة أبنية مثله والأصل ان ثواب الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل والزيادة عليه بحكم الفضل وأما من أجاب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل نزول قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ففيه بعد وكذا من أجاب بأن التقييد بالواحد لا ينفى الزيادة عليه ومن الأجوبة المرضية أيضا ان المثلية هنا بحسب الكمية والزيادة حاصلة بحسب الكيفية فكم من بيت خير من عشرة بل من مائة أو ان المقصود من المثلية أن جزاء هذه الحسنة من جنس
(٤٥٤)