والمراد بالكتف عظم الكتف لانهم كانوا يكتبون فيها (قوله اكتب) هو باسكان الباء جواب الامر ويجوز الرفع على الاستئناف وفيه مجاز أيضا أي آمر بالكتابة ويحتمل ان يكون على ظاهره كما سيأتي البحث في المسئلة في كتاب الصلح إن شاء الله تعالى وفى مسند أحمد من حديث على أنه المأمور بذلك ولفظه أمرني النبي صلى الله عليه وسلم ان آتيه بطبق أي كتف يكتب ما لا تضل أمته من بعده (قوله كتابا) بعد قوله بكتاب فيه الجناس التام بين الكلمتين وإن كانت إحداهما بالحقيقة والاخرى بالمجاز (قوله لا تضلوا) هو نفى وحذفت النون في الروايات التي اتصلت لنا لأنه بدل من جواب الامر وتعدد جواب الامر من غير حرف العطف جائز (قوله غلبه الوجع) أي فيشق عليه املاء الكتاب أو مباشرة الكتابة وكأن عمر رضي الله عنه فهم من ذلك أنه يقتضى التطويل قال القرطبي وغيره ائتوني أمر وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة انه ليس على الوجوب وانه من باب الارشاد إلى الأصلح فكرهوا ان يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شئ وقوله تعالى تبيانا لكل شئ ولهذا قال عمر حسبنا كتاب الله وظهر لطائفة أخرى ان الأولى ان يكتب لما فيه من امتثال أمره وما تتضمنه من زيادة الايضاح ودل أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أياما ولم يعاود أمرهم بذلك ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالامر فإذا عزم امتثلوا وسيأتى بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وقد عد هذا من موافقة عمر رضي الله عنه واختلف في المراد بالكتاب فقيل كان أراد أن يكتب كتابا ينص فيه على الاحكام ليرتفع الاختلاف وقيل بل أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف قاله سفيان بن عيينة ويؤيده انه صلى الله عليه وسلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة ادعى لي أباك وأخاك حتى اكتب كتابا فانى أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر أخرجه مسلم وللمصنف معناه وقع ذلك فلم يكتب والأول أظهر لقول عمر كتاب الله حسبنا أي كافينا مع أنه يشمل الوجه الثاني لأنه بعض افراده والله أعلم (فائدة) قال الخطابي انما ذهب عمر إلى أنه لو نص بما يزيل الخلاف لبطلت فضيلة العلماء وعدم الاجتهاد وتعقبه ابن الجوزي بأنه لو نص على شئ أو أشياء لم يبطل الاجتهاد لان الحوادث لا يمكن حصرها قال وانما خاف عمر أن يكون ما يكتبه في حالة غلبة المرض فيجد بذلك المنافقون سبيلا إلى الطعن في ذلك المكتوب وسيأتى ما يؤيده في أواخر المغازي (قوله ولا ينبغي عندي التنازع) فيه اشعار بان الأولى كان المبادرة إلى امتثال الامر وإن كان ما اختاره عمر صوابا إذ لم يتدارك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بعد كما قدمناه قال القرطبي واختلافهم في ذلك كاختلافهم في قوله لهم لا يصلين أحد العصر الا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا وتمسك آخرون بظاهر الامر فلم يصلوا فما عنف أحدا منهم من أجل الاجتهاد المسوغ والمقصد الصالح والله أعلم (قوله فخرج ابن عباس يقول) ظاهره ان ابن عباس كان معهم وانه في تلك الحالة خرج قائلا هذه المقالة وليس الامر في الواقع على ما يقتضيه هذا الظاهر بل قول ابن عباس المذكور انما كان يقوله عندما يحدث بهذا الحديث
(١٨٦)