وقال الحافظ أبو القاسم الحسكاني الحنفي من أعلام القرن الخامس الهجري في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل (ج 1: ص 188، ط بيروت): عن أبي إسحاق الحميدي قال:
نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك).
وقال أيضا في ص 192: عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله، قالا: أمر الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أن ينصب عليا للناس ليخبر هم بولايته. فتخوف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقولوا: حابى ابن عمه، و أن يطعنوا في ذلك عليه. فأوحى الله إليه: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك الآية).
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بولايته يوم غدير.
أخي العزيز! إذا لاحظت الأقوال المذكورة من تفاسير العامة فلاحظ نظر العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان. قال - رحمة الله عليه - (ج 6: ص 47): فليس استلزام عدم تبليغ هذا الحكم (أي ما انزل من ربك) لعدم تبليغ غيره من الأحكام، إلا لمكان أهميته، ووقوعه من الأحكام في موقع لو أهمل أمره كان ذلك في الحقيقة إهمالا لأمر سائر الأحكام، و صيرورتها كالجسد العادم للروح التي بها الحياة الباقية، والحس والحركة، وتكون الآية حينئذ كاشفة عن أن الله سبحانه كان قد أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بحكم يتم به أمر الدين، ويستوي به على عريشة القرار. وكان من المترقب أن يخالفه الناس، ويقلبوا الأمر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحيث تنهدم ما بناه من بنيان الدين، وتتلاشى أجزاؤه. وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتفرس ذلك ويخافهم على دعوته، فيؤخر تبليغه إلى حين بعد حين ليجد له ظرفا صالحا وجوا آمنا عسى أن تنجح فيه دعوته ولا يخيب مسعاه. فأمره بتبليغ عاجل، وبين له أهمية الحكم، ووعده أن يعصمه من الناس (أي عصمه الله من أن يعرض موضع التهمة وأن يقولوا: إنه سلطان لا نبي، وإلا لا يخاف النبي لنفسه قال الله عز وجل: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا الا الله وكفى بالله حسيبا (1))، - وساق الكلام إلى أن قال - وهذا يؤيد ما وردت به النصوص من طرق الفريقين أن الآية نزلت في أمر ولاية على، وأن الله أمر بتبليغها، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخاف أن يتهموه في ابن عمه