المقام الثاني: في الشك في الطهارة الحدثية وفيه أبحاث:
الأول: في شبهة الحكم، كالشك في حدثية المذي، والنعاس، ومس الفرج، ومس اللحم من الميت بلا عظم، ووطئ البهيمة، ووطئ الدبر من الغلام.
والحق البناء فيه على أصالة الطهارة بصوره المذكورة في صدر المسألة.
ولنا عليه وجوه:
أحدها: أصالة البراءة من الأحكام المتعلقة بالمحدث من لزوم الاجتناب عن أشياء والإتيان بأشياء من الوضوء والغسل، سواء قلنا بأنها واجبات نفسية أو غيرية، مقيدة بدخول الوقت أو مطلقة.
أما على الأول فواضح، لأنه تكليف صرف ينفى بالأصل.
وأما على الثاني، فإنه وإن كان قد يتخيل أن اشتغال الذمة بالغير يقتضي البراءة اليقينية ولا يمكن إلا بالإتيان بالطهارة، لكنا نقول: لا فرق عندنا في ذلك، إذ بعد دلالة الأصل على خلو الذمة من المحرمات على المحدث ونحوه، فلا فرق في أحكامه.
وهذا الدليل يجري في صوره الستة كلها، سوى صورة السبق بالحدث، لتقدم الاستصحاب على البراءة، إلا إذا لم نقل بحجيته أو فصلنا فيه - كما قيل - أو عارضه استصحاب آخر، أو منع من جريانه بتغيير موضوع ونحوه.
الثاني: أصالة عدم الحدث، إذ من المعلوم أن الحدث هو الأمر المانع عن العبادة، والأصل عدم حصوله.
فإن قلت: الأصل عدم الطهر أيضا.
قلت: لا يقتضي الطهارة حكما وليس سببا للدخول حتى يمنع، وإنما هو عدم الحدث، نظير ما قررناه في الخبث حرفا بحرف.