مندوبات العبادات جزءا وشرطا (1) وأحكاما وغير ذلك إلى تحقيق الضابط.
وتحرير البحث أن يقال: إن الحكم المتعلق بالعبادة إما أن يتعلق باسم الماهية الجامعة بين الوجوب والندب، إذ هما من الأوصاف الخارجة، لا المنوعة - كما مر تحقيقه في بحث النية - كأن يقال: يعتبر أو يشترط أو يستحب أو يجب في الغسل أو الصلاة أو الطواف أو العمرة كذا - مثلا - فإن هذه الأسامي أسام لماهية هذه الأمور من دون اعتبار وصفي الوجوب والندب.
أو يتعلق بالواجب والمندوب بعنوانهما، كأن يقال: يعتبر أو يجب أو يستحب في الصلاة الواجبة كذا، أو يعتبر في الطواف والعمرة المندوبة كذا.
أو يتعلق بفرد من أفراد الواجب، كحجة الإسلام، وطواف العمرة، وصلاة الظهر، وصوم رمضان، ونحو ذلك.
أو يتعلق بفرد من أفراد المندوب، كصلاة الوتر، وصوم يوم الغدير، وغسل الجمعة، وطواف الوداع، ونحو ذلك.
فالبحث يقع بحسب الدليل في مقامات، ثم نبين ما هو الميزان في كلمة الأصحاب.
الأول: ما إذا تعلق الحكم بالماهية من دون اعتبار صنف أو شخص، فمقتضى القاعدة اعتبار ذلك جزءا كان أو شرطا أو مانعا، أو أحكاما لاحقة عارضة في الواجب والمندوب معا حتى يثبت الفارق، ولنا على ذلك وجوه:
أحدها: أن الألفاظ في العبادات موضوعة للطبائع المعراة عن وصفي الوجوب والندب بمقتضى تصريح أهل الفن والامارات الكاشفة عن الحقيقة الشرعية أو المراد للشارع ولو مجازا. وظاهر تعلق الحكم بالطبيعة سريانه في سائر أفراده، لأن الذاتي لا يتخلف عنه، وظاهر اللفظ كون ذلك الأمر من لوازم الماهية بمقتضى أصالة الحقيقة، ولا يخرج عن الظاهر إلا بدليل.