وهذا تأويل غير متبادر وإن بالغ فيه بعض المعاصرين (1).
نعم، هنا كلام وهو: أنه لو كان بمعنى المنع والتحريم اختص بإضرار المكلفين لأنفسهم أو لغيرهم، ولا يشمل ما كان ضررا من الله تبارك وتعالى، مع أن الفقهاء - كما عرفت في الموارد - نفوا كثيرا من التكاليف إذا كان موجبا لضرر في نفس أو مال، ولا وجه لكون ذلك حراما على الله تعالى.
ولو قلنا: إن المراد: عدم وجوده في الدين لتم الاستدلال في ذلك أيضا.
قلت: الظاهر من سياق الخبر: أن عدم تجويز ذلك ليس محض التعبد الشرعي، بل إنما هو شئ يمنع منه العقل أيضا، ومناف للحكمة كذلك، فكما هو قبيح غير مجوز بالنسبة إلى المكلفين، فكذا الحكيم على الإطلاق، فإنه أيضا لا يصدر منه مثل ذلك، فيصير المعنى: أن الضرر والضرار غير مجوز، بل هو قبيح، ويكون القضية مسوقة مساق قاعدة عقلية.
ومن هنا يتجه أن نستدل على هذه القاعدة - مضافا إلى النصوص - بدلالة العقل أيضا، فإن الضرر (2) والأضرار مناف للطف والعدل على ما يفهم من معناهما، ومثل ذلك غير مجوز عقلا أيضا، بتقريب ما أسلفناه في مسألة العسر والحرج.
ويرد في هذا الباب الأشكال السابق في العسر والحرج: من أن الظاهر من النصوص عدم ورود ضرر في الإسلام، مع أنا نرى وجوب الجهاد والزكاة والخمس وغير ذلك من التكاليف الموجبة لنقص المال والعرض وتلف النفوس ونحو ذلك، فلا وجه لنفي الضرر مطلقا.
ومن أنا نرى في النصوص استدل على نفي الجزئيات بحديث (لا ضرار) مع وجود ما هو أعظم من ذلك في الشرع.