ظاهر كلام أهل العرف والعقل أن هذه القضية إنما هو على مجرى عادة العقلاء بحيث أن من خالفها فقد خالف أفعال العقلاء، فيكون النصوص واردة مورد التأكيد لقضية العقل، وهذا أيضا يكون دليلا آخر على اعتبار هذه القاعدة.
وبالجملة: الطعن في الرواية من حيث الانجبار ليس في محله، مضافا إلى حكاية جماعة شهرة هذه الروايات وكونها مفتى بها عند الأصحاب، مع أنا نرى في أبواب متفرقة في الفقه أفتى (1) الأصحاب في فروع هذه القاعدة، وليس لهم مستند في ذلك إلا هذه الأخبار، فيكون شهرة في الفتوى وإن لم تكن في الرواية، وهي تصلح جابرا، على ما حقق في محله.
نعم، بقي الكلام في الدلالة:
فنقول: ظاهر قوله: (أمرتكم) (2) يراد به الطلب الوجوبي، فلا يشمل المندوب، فلو تعذره بعضه لم يستحب الإتيان بالبقية لهذه الرواية.
لكن الظاهر عدم القول بالفرق بينهما، مضافا إلى أن المندوب يتسامح فيه بما لا يتسامح في غيره - كما قررناه - ويكفي فيه احتمال الطلب والاحتياط العقلي، فتدبر وراجع. فالظاهر: إرادة القدر المشترك من الأمر، أو إلحاق المندوب في الحكم.
و (الشئ) مطلق متوغل في الإبهام يشمل كل مأمور به، وما نحن فيه منه، بل هو أظهر أفراد المأمور به، لأنه مركب من أجزاء ارتباطية يطلق عليها اسم الواحد.
وكلمة (من) إما للتبعيض، فمعناه: فأتوا ما استطعتم، ويراد به بعض المأمور به، والضمير يرجع إلى الشئ، فيصير الرواية بيانا لصورة تعذر البعض دون الكل، إذ لو تعذر الكل سقط بلا شبهة، ولو أمكن وجب للأمر، وأما صورة التبعض (3)